هل يمكن للذكاء الصناعي أن يكون معالجك النفسي المستقبلي؟
على مدى العقد الماضي، تم استخدام الذكاء الصناعي لمساعدة البشر أو استبدالهم في العديد من المجالات المهنية، فقد أصبح لدينا الآن مساعدون يعملون بالذكاء الصناعي يقومون بجدولة الاجتماعات أو الرد على خط الهاتف الخاص بخدمة العملاء، ومجال الرعاية الصحية من أكثر المجالات الواعدة عندما يتعلق الأمر بالذكاء الصناعي.
تم استخدام الذكاء الصناعي لبضع سنوات لمساعدة الأطباء في تشخيص الأمراض والعثور على أفضل الحلول وطرق العلاج، وذلك بسبب قدرته على التعلم من مجموعات البيانات الضخمة والتعرف على الأنماط بشكل أفضل من البشر، ولذلك من المحتمل أن يتم دمج مجالات الطب التي تهتم بشكل أساسي بالتشخيص مع الذكاء الصناعي وبشكل خاص الطب النفسي.
لكن هناك بعض الأمور التي يجب علينا أن نسلط الضوء عليها أولاً لمعرفة ما إذا كان الأمر ممكناً أم لا، في هذا المقال سنتحدث عنها بشكل واضح وكاف ودون تعقيد
ما هو الطب النفسي؟
عند التفكير في الطب النفسي قد يتخيل معظمنا مريضاً مستلقياً على الأريكة، يتحدث مع الطبيب عن آخر كابوس له، أو علاقته السيئة مع والدته، والطبيب أو المعالج يقوم بتدوين ملاحظات في المدونة التي يحملها، في الواقع هذا النموذج هو الطريقة الأكثر شيوعاً عندما يتعلق الأمر بالتحليل النفسي الذي قدمه سيغموند فرويد في أواخر القرن التاسع عشر.
هل يمكن للذكاء الصناعي القيام بالتحليل النفسي؟
إن القيام بهذا النوع من التشخيص يتطلب الخبرة والممارسة والفهم الكامل للمشاعر والعواطف والمشاكل النفسية التي تنتج من هذه المشاعر والعواطف، لكن وعلى الرغم من تفوق الذكاء الصناعي من ناحية الخبرة والممارسة، إلا أنه لا يملك الوعي أو العواطف التي تعد لب الطب النفسي.
تتمثل إحدى طرق التعامل مع هذا السؤال في النظر في مدى سوء أداء الطرق التقليدية في التعامل مع الصحة النفسية، أي أننا بحاجة لإجراء مقارنة بين فوائد استخدام الذكاء الصناعي في الطب النفسي وأداء الأطباء النفسيين والتدخلات الصيدلانية، إذا كان المستوى الخاص بالأطباء منخفضاً، فقد يكون الذكاء الصناعي مؤهلاً بشكل جيد ليكون طبيبك النفسي الجديد، لكن مازال مجال الذكاء الصناعي قيد التطوير وما زال هذا الاحتمال بعيد المنال.
كيف يمكن للذكاء الصناعي أن يساعد في تحسين مجال الصحة النفسية؟
نظراً للمخاوف المتزايدة حول تدهور الصحة النفسية على المستوى العالمي، ونجاح تكنولوجيا الذكاء الصناعي في العديد من مجالات الرعاية الصحية الأخرى، فلا غرابة من وجود محاولات لاستخدام الذكاء الصناعي للمساعدة في تشخيص وعلاج الأمراض النفسية.
في الوقت الحالي أثبت الذكاء الصناعي فائدته في تشخيص أنواع مختلفة من الأمراض النفسية، وغالباً ما يستطيع الوصول لهذا النوع من التشخيص عبر وسائل غير متاحة للمعالجين، على سبيل المثال: يمكن للذكاء الصناعي الوصول إلى المعلومات ذات الصلة بالمريض من مصادر مختلفة: كالسجلات الطبية ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي وعمليات البحث على الإنترنت وما إلى ذلك.
يمكن للذكاء الصناعي تحليل مجموعات البيانات المختلفة التي جمعها والجمع بينها بسرعة، ومن خلال تحديد الأنماط المتشابهة وذات الصلة في البيانات التي قام بجمعها، يمكن للذكاء الصناعي القيام بتشخيص المرض النفسي بدقة عالية.
في الواقع تم استخدام الذكاء الصناعي للمساعدة في مجال الطب النفسي بثلاث طرق رئيسية، وهي:
1- الاستشعار الشخصي أو النمط الظاهري الرقمي
وهو استخدام البيانات الرقمية لقياس ومراقبة الصحة العقلية لشخص ما، على سبيل المثال: يمكن للذكاء الصناعي استخدام المواد المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي والسجلات الطبية وما إلى ذلك، ومن خلال تحليل هذه المعلومات يستطيع الذكاء الصناعي اكتشاف التغيرات السلوكية ذات الصلة التي تعلم ربطها بقضايا الصحة النفسية.
إذا كان الشخص يرتدي ساعة ذكية لتتبع نشاطه البدني، وكان الشخص يتحول فجأة من كونه نشطاً للغاية إلى كونه خاملاً للغاية، فقد يعتبر الذكاء الصناعي هذا الأمر أحد أعراض الاكتئاب، حيث أن الأشخاص المصابين بالاكتئاب غالباً ما يشعرون بالخمول وعدم الحافز لممارسة الرياضة.
2- خوارزميات معالجة اللغة
تقوم خوارزميات معالجة اللغة الطبيعية بتتبع استخدام اللغة في المحادثات ورسائل البريد الإلكتروني ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي، وتكتشف الأنماط التي قد ترتبط بالمشاكل النفسية مثل: الاكتئاب أو القلق.
يمكن استخدامها أيضاً لاكتشاف التغيرات في اللغة وتتبع الصحة النفسية للمريض لمعرفة ما إذا كانت تتحسن أم تتراجع، إن الاستخدام الواسع النطاق للهواتف الذكية يجعل معالجة اللغة الطبيعية وسيلة رخيصة نسبياً، حيث أن معظم الناس حول العالم يمتلكون هواتف ذكية ويستخدمونها بانتظام للتواصل مع الأصدقاء والعائلة وقراءة الأخبار وإجراء عمليات شراء عبر الإنترنت والتقاط الصور والعمل في بعض الأحيان.
لذلك فهي تحتوي على قدر كبير من البيانات الشخصية، مما يجعلها أداة مريحة وعملية للكشف عن الأنماط اللغوية التي يمكن ربطها بحالات عقلية معينة، وهناك ادعاءات بأنه من الممكن أيضاً اكتشاف الاكتئاب باستخدام الأنماط الموجودة في الكتابة على الهاتف الذكي، دون الاعتماد حتى على المحتوى المكتوب.
يرجع ذلك إلى أن الاكتئاب يؤثر على كيفية تحريك أجسامنا، بما في ذلك كيفية الكتابة، لذلك يمكن استخدام التعلم الآلي للذكاء الصناعي لاكتشاف وتحديد أنماط معينة مرتبطة بالاكتئاب أو الحالات الأخرى.
3- طرح أسئلة التحليل النفسي
تشير بعض الدراسات إلى أن روبوتات الدردشة قادرة على اكتشاف المشكلات العقلية من خلال طرح الأسئلة بنفس الطريقة التي يقوم بها الطبيب أو المعالج النفسي، قد يطرح روبوت الدردشة أسئلة حول مزاج شخص ما ومستويات التوتر الخاصة به ومستويات الطاقة وأنماط النوم وما إلى ذلك.
يمكن لروبوت الدردشة تحليل إجابات المرضى واقتراح أنواع مختلفة من طرق العلاج مثل: تقنيات المشي والتأمل والاسترخاء، أو اقتراح طلب المشورة الطبية إذا كان التدخل الدوائي يعتبر نوع العلاج الأكثر ملاءمة، وفي بعض الحالات إذا كانت هناك مخاوف حول سلامة المريض أو المقربين منه، يمكن أن يرسل برنامج الدردشة الآلي تنبيهاً للطبيب أو المعالج النفسي بوجود مشكلة طارئة.
باختصار يبدو أن الذكاء الصناعي يملك بعض الإمكانيات كأداة مفيدة في توفير الرعاية الصحية النفسية الجيدة، ومن المحتمل أن يتم استخدام الذكاء الصناعي على نطاق أوسع في مجال الطب النفسي، نظراً للاتجاه الحالي في جعل الذكاء الصناعي جزءاً هاماً في العديد من المجالات المهنية.
قد يكون من الصعب في هذه المرحلة التنبؤ بالضبط كيف ستغير التطورات التكنولوجية الجديدة طريقة اكتشاف الأمراض النفسية وتشخيصها وعلاجها من خلال استخدام الذكاء الصناعي، لكن جعله يحل مكان الطبيب النفسي هو أمر وارد في المستقبل.