كيف أتقبل الفشل وأبدأ من جديد؟
تلك اللحظة التي تشعر فيها بالهزيمة والإحباط، وأن كل محاولاتك للنجاح قد باءت بالفشل هي أمر محتوم في هذه الحياة، بالطبع إن تجربة الفشل ليست بالأمر البسيط، فهي تتركك تائهًا في منتصف الطريق تصارع أفكارك في الاستسلام أو التراجع، ولكن كلا الخيارين لا رجاء منهما، فحيثما هنالك معاناة، هنالك فرصة للتطور تختبئ وراءها.
الفشل ليس نهاية طريقك، بل هو التفاف مؤقت لبداية جديدة، ولكن كيف يمكن تجاوز أزمة الفشل والمشاعر السلبية المرافقة لها؟ وما هي الطرق والاستراتيجيات التي تساعدك على البدء من جديد والاستفادة من التجارب السابقة؟ هذا ما سنبحثه معًا في هذا المقال.
لماذا نفشل؟
لعلّ الجواب الأمثل هنا هو أننا نفشل كي نتعلم ونتطور ونستفيد من أخطائنا، بغض النظر عن أسباب الفشل التي تختلف باختلاف المواقف والظروف والأشخاص، يبقى الشيء الأهم هو أن الفشل جزء من حياتنا منذ اللحظة الأولى التي فشلنا فيها في صعود الدرج أو إمساك الكرة، فبحسب a study (Wilson et al., 2019) يحدث الفشل بنسبة 15% من الوقت، وعندها يمكن للناس تحسين تعلمهم بنسبة 85%.
بالإضافة إلى ذلك إذا كانت الأمور سهلة للغاية، وكنت على صواب بنسبة 100%، فلا يوجد شيء جديد لتتعلمه. وإن كانت صعبة للغاية، فلن تتعلم أي شيء جديد أيضًا، وكذلك أثبتت a study (Zhou et al., 2020) أن حالات الفشل توفر للموظفين فرصًا قيمة للتعلم، والتي يمكن أن تؤدي إلى مزيد من التطوير الذاتي.
يختلف الناس في نمط الاستجابة عندما يواجهون المصاعب والفشل في حياتهم، فالبعض قد يغضب ويثور ويرغب في التخلص من كل شيء. والقسم الثاني يتصرف كالطائر الطنان يهدر طاقته في الطيران في نفس المكان دون فائدة، والنمط الثالث من الاستجابة للفشل هو التجمد كما يتجمد الغزال أمام ضوء مصابيح السيارة، فهؤلاء يفقدون الحماس ويتجمدون في مكانهم.
تلك هي الأنماط الثلاثة للاستجابة التي ذكرت في كتاب (Harper, 2019) “مهارات التأقلم”، ولكن أليس هناك حل آخر لمواجهة الفشل بطريقة أكثر كفاءة؟ بالطبع الجواب نعم، ولولا ذلك لما كنا سمعنا عن الكثير من قصص النجاح حول العالم.
وبناء على ذلك لا بد من إيجاد الطرق الفعالة للتعامل مع الفشل من خلال تقبله وتصحيح الأخطاء وتجنب تكرارها ثم البدء من جديد.
كيفية تقبل الفشل والانطلاق من جديد
“الفشل هو ببساطة فرصة للبدء من جديد، هذه المرة بطريقة أكثر ذكاءً”. هنري فورد
لا أحد يرغب في تغيير طريقه فجأه أو البدء من جديد، ولكن الحياة مليئة بالمواقف التي تختبر مدى مرونتك وقدرتك على التعامل مع الفشل وتقبله، وفيما يلي مجموعة من الطرق التي تساعدك ليس على تقبل الفشل فحسب بل والاستفادة منه أيضًا:
- احتضن مشاعرك
سواء أكان في العمل، أو المنزل أو أي مكان آخر فإن الفشل مؤلم، ولكن تقبل تلك المشاعر واحتضانها هو الخطوة الأولى نحو تجاوزها. يصاحب الفشل مجموعة متنوعة من المشاعر مثل: الإحراج والقلق والغضب والحزن والعار، على سبيل المثال لا الحصر، وهذه المشاعر مزعجة وغير مريحة، وقد يسعى الكثير من الناس للهروب من الشعور بعدم الراحة بأي طريقة ولكن أكدت a study (Nelson et al., 2018) أنه لا يجب عليك محاولة التملص من الشعور بالسوء بعد الفشل، حيث اكتشف الباحثون أن التفكير في مشاعرك بدلاً من الفشل بحد ذاته مفيد للغاية، والسماح لنفسك بالشعور بالسوء أمر محفز، ويمكن أن يساعدك في العمل بجدية أكبر للعثور على حلول أفضل.
لذا، انطلق واحتضن مشاعرك، واعترف بما تشعر به واجعل نفسك تشعر بالسوء قليلاً، وقم بتسمية مشاعرك كأن تقول لنفسك على سبيل المثال: “أشعر بخيبة أمل”، أو “أنا حزين لأن ذلك لم ينجح.”
- تعاطف مع ذاتك
بعد أن تتقبل مشاعرك، يمكنك البدء بالخطوة التالية وهي أن تتعاطف مع ذاتك، تخيل أنك تقدم هذا الدعم والتعاطف لصديقك وعامل نفسك ذات المعاملة؛ فأنت أكثر قيمة من مجرد تجربة فاشلة، كن متسامحًا مع نفسك ولا تكثر من جلد الذات، ويتضمن التعاطف مع الذات أن تهتم بنفسك، وتبدي تفهمًا لما يحدث في حياتك، بدلاً من إطلاق الأحكام العشوائية والنقد الذاتي غير الهادف، وبالتالي ستكون أكثر قدرة على مواجهة الفشل وتحسين الذات.
أكدت a study (Breines et al., 2012) أن التعاطف مع الذات بعد ارتكاب الأخطاء يزيد الدافع نحو تحسين الذات وتطوير نقاط الضعف.
فمن خلال ممارسة التعاطف مع الذات، فأنت تقبل إنسانيتك وحقيقة أن الأشياء لا تسير في كثير من الأحيان بالطريقة التي ترغب بها.
ومن الأمور العملية التي يمكن أن تقوم بها، أن تسأل نفسك كيف ستعامل صديقًا إذا كان في موقف مشابه، أو إن كنت من محبي الكتابة يمكنك أن تكتب عن إنجازاتك السابقة والنجاحات التي حققتها، وأمور أنت ممتن لها.
ومن المهم أيضًا هنا أن تنتبه لطريقة حديثك مع ذاتك، فلا ترسل رسائل سلبية لعقلك اللاواعي، بل حاول دائمًا أن تتحدث مع نفسك بطريقة مشجعة ومحفزة، وتجنب الحديث الذاتي السلبي.
- تدرب على مهارات التأقلم الصحية
بسبب صعوبة التعامل مع الألم والحزن المرافق للفشل قد تلجأ إلى آليات تكيف وطرق غير صحية تزيد الأمور سوءًا، كأن تقول بعد الفشل في عمل ما: “لم أكن أرغب بهذه العمل على أية حال”، فذلك يجعلك تقنع نفسك بالتراجع عن عمل تحبه بسبب الفشل به، وكذلك قد تلجأ إلى تشتيت الانتباه، أو ملء الفراغ الذي تشعر به بالطعام أو المخدرات أو الكحول، فهذه الأشياء تجلب بعض الراحة المؤقتة فقط ولكنها على المدى الطويل مدمرة أكثر من الفشل بحد ذاته.
في المقابل وبدلًا من إغراق نفسك أكثر في تلك الآليات غير الصحية، من المفيد ممارسة مهارات تأقلم تساعدك على التعامل مع مشاعرك بطريقة صحية، يمكنك على سبيل المثال أن تحدد أسباب الفشل بدلًا من وضع الأعذار أو لوم النفس أو الآخرين أو الظروف، ثم تقوم بصياغة جديدة للأفكار والأهداف مستفيدًا من التجربة التي مررت بها، وتبدأ بعدئذٍ بوضع خطة جديدة للعمل.
- اسأل نفسك ما الذي يمكنني تعلمه؟
“الخطأ الحقيقي الوحيد هو الخطأ الذي لا نتعلم منه شيئًا”. – هنري فورد
يمكن أن يكون الفشل معلمًا رائعًا إذا كنت منفتحًا وفضوليًا على التعلم. هل أخطأت؟ هل ارتكبت سلسلة كاملة من الأخطاء؟ لا داعي للندم، بل الأهم هو تصحيح الخطأ والتعلم منه وعدم تكراره.
انظر لكل خطأ حدث في الماضي على أنه فرصة لإعادة النظر بما قمت به لكي تعمل على تجنبه مستقبلًا.
من المهم التعامل مع الفشل بعقلية فضولية ومنفتحة، بدلاً من عقلية دفاعية أو مغلقة، كي لا تبقى عالقًا في شباك أخطاء الماضي. بعد ذلك، ستضمن أن فشلك أصبح درسًا في الحياة يساعدك على تعلم شيء ما.
- حافظ على مستوى عال من احترام الذات
ربما تكون قد طورت بعض المعتقدات غير المنطقية حول الفشل في مرحلة ما من حياتك. كأن تعتقد أن الفشل يعني أنك سيئ أو أنك لن تنجح أبدًا في المستقبل، أو ربما تعتقد أنه لن يحبك أحد إذا فشلت، وكل هذه الأفكار تتسبب في تدني احترام الذات وبالتالي تجر على نفسك مزيدًا من التجارب الفاشلة، حيث توصلت a study (Lane et al., 2002) التي أجريت على عينة من 91 لاعب تنس، إلى أن تدني احترام الذات كان له أثر سلبي على الكفاءة الذاتية واستراتيجيات التكيف مع الفشل؛
لذلك حافظ على مستوى عال من احترام وتقدير الذات مهما بلغت حدة الفشل الذي تتعرض له، وكن على يقين تام أن قيمتك لن تتحدد بمجرد تجربة فاشلة مرت في حياتك أو ستحدث مستقبلًا.
- تبنى أفكار واقعية ومرنة حول الفشل
على الرغم من أن الفشل هو جزء من الحياة، نجد القليل من الناس يتقبلونه أو يتحدثون عنه، بل على العكس تراهم يحاولون تجنبه بتبني أفكار غير واقعية وكأن الحياة خالية من المشاكل والتحديات. على حين أن المرونة والواقعية في التعاطي مع التجارب الفاشلة أثبتت فاعليتها أكثر وذلك وفق مراجعة (Johnson et al., 2017)، إذا أكدت أن المرونة كرد فعل على الفشل كانت عاملاً قوياً للتغلب على المشاعر السلبية المرافقة لتجربة الفشل.
لذا فعندما تسيطر عليك أفكار أنه لا فائدة من المحاولة، وأنك لن تحقق النجاح أبدًا، قم بإعادة صياغة أفكارك، وانظر للفشل على أنه علامة على أنك تتحدى نفسك للقيام بشيء صعب، وتأكد أن تحقيق طموحاتك لن يأتي بيوم وليلة، وبكل يسر وسهولة بل سيرافقه الكثير من التحديات والتجارب الفاشلة التي لولاها لما ولد الإبداع والتميّز.
- تقبل قدرًا مناسبًا من المسؤولية
إلقاء اللوم واختلاق الأعذار ليس بذي فائدة في تقبل الفشل والبدء من جديد، لذا من المهم قبول مستوى دقيق ومنطقي من المسؤولية؛ فعندما تفكر في فشلك، ابحث عن تفسيرات وليس عن الأعذار، قم بتحديد الأسباب التي أدت إلى تلك النتيجة، وابدأ بالتخطيط لما يمكنك القيام به بشكل مختلف في المرة القادمة؛ لأن الاستمرار في إلقاء اللوم على نفسك دون داع، أو على الآخرين أو على الظروف المؤسفة سيجعل مهمة تقبل الفشل أصعب وسيمعك ذلك من التعلم منه.
- واجه مخاوفك من الفشل
تدرب على الخروج من منطقة الراحة الخاصة بك، وبمرور الوقت، ستتعلم أن الفشل ليس بالسوء الذي تتخيله. فبدلاً من رؤية الفشل على أنه عبء يثقل كاهلك أو شبح مخيف يطاردك، انظر إليه على أنه نقطة انطلاق نحو أهدافك. تأمل في قصص نجاح بعض المشاهير من توماس إديسون إلى جي كي رولينغ ووالت ديزني وغيرهم الكثير ممن واجهوا مخاوفهم و تحدوا الفشل.
الآن هو الوقت المناسب لكي تتبنى وجهة نظر مختلفة للفشل، وتتخلص من عقدة تجنب ارتكاب الأخطاء، وانظر لكل فشل على أنه بداية لقصة نجاح ستفتخر بها مستقبلًا، وأن كل خطأ فرصة لتتعلم شيئاً ما، بدلًا من الوقوف على أطلال أخطاء الماضي.
على الرغم من أن رحلة تقبل الفشل لا تبدو سهلة في البداية ولكنها حتمية وضرورية للمضي قدمًا بعقلية أكثر مرونة وثقة، وبكفاءة أكبر لمواجهة كافة تحديات الحياة. إذا كنت تواجه صعوبة في تقبل الفشل سواء في حياتك الشخصية أو المهنية، تأكد أنك قادر على البدء من جديد؛ لأن الحياة هي تراكم للخبرات والتجارب، والانطلاق منها نحو تحقيق الأماني والأحلام، ويمكنك دومًا التواصل مع اختصاصي تطبيق لبيه للحصول على الدعم المناسب لك.
المراجع
1- Nelson, N., Malkoc, S. A., & Shiv, B. (2018). “Emotions know best: The Advantage of Emotional Versus Cognitive Responses to Failure”. Journal of Behavioral Decision Making, 31(1), 40-51. DOI: https://doi.org/10.1002/bdm.2042.
2- Breines et al. “Self-compassion increases self-improvement motivation”. Personality and social psychology bulletin. May 29, 2012. DOI: https://doi.org/10.1177/0146167212445599.
3- Lane et al. “Coping with failure: the effects of self-esteem and coping on changes in self-efficacy”. Journal of Sport Behavior. 2002.
4- Johnson et al. (2017). “Resilience to emotional distress in response to failure, error or mistakes: A systematic review”. Clinical psychology review, March 2017. DOI: https://doi.org/10.1016/j.cpr.2016.11.007.
5- Wilson, Robert C., et al. “The eighty-five percent rule for optimal learning“. Nature Communications. Published: 05 November 2019.
6- Zhou et al. “Don’t be afraid to fail because you can learn from it! How intrinsic motivation leads to enhanced self-development and benevolent leadership as a boundary condition“. Frontiers in Psychology 11 (2020): 699. Doi: 10.3389/fpsyg.2020.00699.
7- Harper, F. (2019). “Coping Skills: Tools & Techniques for Every Stressful Situation”. Microcosm Publishing.
8- 10 Healthy Ways to Cope With Failure, verywellmind.com, retrieved on 18/6/2023.
9- Coping with failure, Services.unimelb.edu.au, retrieved on 18/6/2023.
10- 10 Ways to Come Back from Failure, psychcentral.com, retrieved on 18/6/2023.
11- What is the fight, flight, or freeze response? medicalnewstoday.com, retrieved on 18/6/2023.