اكتئاب ما بعد التخرج وكيف يمكن تحويله إلى نقطة فارقة
لعل في نهاية أخر فصل دراسي ينتاب العديد من الطلاب الكثير من مشاعر الخوف والحزن والقلق، الشعور بالحزن لافتقاد الأصدقاء والأماكن وتغيير الرتابة المعتاد لعدة سنوات، والقلق من المستقبل والخوف من المجهول القادم؛ لذلك يتعرض الكثير من الطلاب إلى اكتئاب ما بعد التخرج، ولكن هل يمثل الموضوع فعلًا يُنذِرُ بالخطر ويتطلب التدخل الطبي؟
ما اكتئاب ما بعد التخرج؟
كثيرًا ما نسمع هذا المصطلح وأصبح منتشرًا بشكل كبير بين فئة شباب هذا العصر وخصوصا بعد الانتهاء من فترات الدراسة في الجامعات. ولكن علميًا لا يعد اكتئاب ما بعد التخرج مرضًا نفسيًا أو تدخل طبي. حيث نجد الكثير من الطلاب يواجهون مشاعر قلق وتوتر وفقدان الرغبة في السعي فيمًا هو قادم. فيجب العمل على احتواء الأبناء في هذه المدّة وتقدير مشاعرهم وتقديم يد العون لهم لمواجهة هذه التغييرات في حياتهم.
أسباب الإصابة باكتئاب ما بعد التخرج
تتنوع أسباب الإصابة بالاكتئاب تبعا للظروف المحيطة بالشخص وتطلعات الشخص لما بعد التخرج وأسباب أخرى عدّة منها:
١- التطلع لما هو أفضل بعد التخرج والرغبة في تحقيق الأحلام والطموحات ثم الاصطدام بالواقع.
٢- الضغط النفسي من البيئة المحيطة وخصوصا رغبة الأهل في المضي قدما فيمًا بعد التخرج وتحقيق العديد من الأهداف التي لا تناسب طموحات وتطلعات الفرد.
٣- الضغط المادي الذي يعاني منه العديد من الشباب بسبب الرغبة في الحصول على مبالغ كبيرة والقبول بوظائف تستنزف الشباب.
٤- ازدياد معدلات البطالة حيث نعاني من نقص في العديد من الوظائف التي تناسب خريجي الجامعات وعدم القبول في التدريب دون أجر وتنعدم الفرص لمن هم حديثي التخرج وبدون أي خبرات سابقة في فترات الدراسة.
٥- ازدياد المسؤوليات حيث ينتقل الفرد من حياة الطالب الجامعي لحياة مليئة بالمسؤوليات والالتزامات التي لا مفر منها.
٦- البعد عن الأصدقاء وروتين الحياة الجامعي الذي يتحول لروتين حياة العمل بعيدًا عن وجود الدعم العاطفي مثل فترات الدراسة.
٧- المقارنة بين الأشخاص وانجازات للأشخاص المماثلين في السن ولقد ساعد على انتشار ذلك وسائل التواصل الاجتماعي ونشر تفاصيل الحياة اليومية فيبدأ الأشخاص بمقارنة وضعهم الحالي بأوضاع من هم في نفس العمر ولكن مع تجاهل ظروف المعيشة لكل شخص والفرص المتاحة لهم.
٨- عدم تحديد الأهداف إذ يكتشف العديد من الأشخاص بعد قضاء فترات في الجامعة أنهم ليسوا في المكان المناسب لهم ومن ثم بعد التخرج لا يرغبون في العمل في نفس مجال الدراسة ويبدأ التخبط والحيرة بين البحث عن مجال جديد ومناسبته للشهادة الجامعية التي تم الحصول عليها.
كل هذه العوامل تجعل من هم في مرحلة التخرج في ضغط نفسي كبير والشعور بالتقصير وقلة الحيلة لَمَّا يبذلوا تجاه المستقبل.
أعراض إكتئاب ما بعد التخرج
قد تتشابه بعض العلامات لدى جميع الطلاب بعد التخرج من يأس وحزن وفقدان الشغف والرغبة في العمل وقلق واضطرابات في النوم ولكن جميعها تعد أعراض يمكن السيطرة عليها ولكن تبدأ الأعراض في زيادة حدتها ويتطور الوضع من مجرد اكتئاب ما بعد التخرج لحالة اكتئاب عام مثل:
١- سرعة الانفعال والغضب لأبسط الأمور
٢- العزلة وعدم الرغبة في مغادرة المنزل والاختلاط بالعالم الخارجي
٣- الشعور بالإجهاد العام من اقل مجهود
٤- ظهور أعراض جسدية مثل مشكلات الجهاز الهضمي والصداع والإعياء واضطرابات النوم
٥- فقدان الشهية أو زيادتها بمعدلات كبيرة
٦- الشعور بالتوتر والخوف والقلق
٧- عدم التركيز في جميع أنشطة الحياة
٨- سلوكيات متهورة وفقدان المتعة في جميع أنشطة الحياة
٩- قد يتطور الأمر لدى البعض لدرجة الوصول لأفكار انتحارية
فلذلك يجب التعامل بحذر مع الطلاب بعد التخرج واحتواء فترات الحزن البسيطة بعد التخرج حتى لا يتطور الأمر لاكتئاب حقيقي يتطلب التدخل من الطبيب.
كيف نتخطى مرحلة ما بعد التخرج
إن اكتئاب ما بعد التخرج يحتاج إلى مزيج من الوعي والفهم بالمشاعر، والتخطيط الجيد للمستقبل، والتطوير المستمر والتواصل مع الآخرين، والاهتمام بالصحة النفسية والجسدية قد يساعد في التغلب على هذه المرحلة بنجاح والانتقال إلى حياة مهنية وشخصية أكثر استقرارًا ويتساءل الأفراد دائمًا كيفا تخطى مرحلة قلق ما بعد التخرج؟ فيمكن للفرد اتباع بعض النصائح مثل:
التعبير عن المشاعر
من المهم الاعتراف بأن مشاعر الحزن أو القلق طبيعية، يمكن أن تساعد مشاركة هذه المشاعر في تخفيف الضغط، لذلك من المهم تقبل الرفض في البداية وأنها ليست النهاية بل هي البداية إلى نجاح والتعلم من الأخطاء.
وضع أهداف واقعية
يمكن أن يساعد وضع خِطَّة عملية على المدى القصير والبعيد في تخفيف الحَيْرَة والشعور بالضياع. فلابد في البداية من وضع خطط تلائم الظروف المحيطة وإمكانات الأشخاص ووضع أهداف على المدى البعيد والسعي للوصول إليها خلال رحلة التعلم.
التطوير المستمر
ليس من الضروري في بداية الحياة العملية الحصول على وظائف بأجر كبير ولكن يجب الاستفادة من كل خطوة ومن كل فرصة عمل حتى نتمكن من تطوير المهارات والثقة بالنفس والسعي بعد ذلك للحصول على وظائف أعلى أو ترقيات جديدة.
الاستفادة من العلاقات
التواصل مع الآخرين يمكن أن يوفر فرصًا جديدة للتوظيف أو التطوير العملي ومشاركة الآراء والتجارب معًا. مما يساعد على تخطي مدّة اكتئاب ما بعد التخرج.
ممارسة الرياضة والأنشطة البدنية
عدّ الرياضة والأنشطة البدنية وسيلة فعالة لتحسين المزاج وزيادة الطاقة. التمارين الرياضية تساعد في تحسين الصحة العقلية وتخفيف أعراض الاكتئاب والخروج من البيئة المحيطة المليئة بالسلبيات. ثم أن تناول الطعام الصحي له أثر كبير في تقليل مشاعر القلق والخوف.
الاسترخاء والتغيير في الحياة
ممارسة أنشطة جانبية للتحسين من الحالة النفسية مثل القراءة أو التنزه وأيضا ممارسة تقنيات الاسترخاء مثل: التأمل أو اليوغا، والاهتمام والعناية الشخصية قد يساعد في تحسين الحالة المزاجية.
المشاركة في الأنشطة التطوعية
الانخراط في عمل تطوعي قد يمنح الشخص شعورًا بالرضا والإحساس بالهدف، ويساعده على توسيع دائرة معارفه. كما أنه يساعد في اكتساب العديد من المهارات الضرورية لسوق العمل.
تفهم طبيعة المرحلة الانتقالية
من المهم أن تتذكر أن هذه المرحلة مؤقتة، وأن التكيف مع الحياة بعد التخرج قد يستغرق بعض الوقت. وليس بالضرورة النجاح من الخطوة الأولى والسنة الأولى بعد التخرج. ولكن نحتاج المزيد من الوقت والمجهود وعدم الاستسلام لمشاعر اكتئاب ما بعد التخرج.
البعد عن مواقع التواصل الاجتماعي
كما ذكرنا أن الانفتاح على مواقع التواصل والمشاركة الزائدة تولد المقارنات بين الأفراد ومن هم في نفس الفئة العمرية. مما ينتج حالة الاكتئاب والشعور بالعجز فيجب على كل شخص وضع الخطط المستقبلية بما يتناسب معه ومع الظروف المحيطة دون المقارنة بالآخرين.
الاستشارة النفسية
في حالة استمرار الشعور بالاكتئاب أو تفاقمه، قد يكون من الضروري استشارة مختص في الصحة النفسية. العلاج النفسي أو العلاج السلوكي يمكن أن يكون مفيدًا جدًا وهذه الخطوة اللازمة عند تفاقم الأعراض والتأثير على الحياة اليومية.
علاج اكتئاب ما بعد التخرج
كما ذكرنا أن عندما يتخطى الوضع اكتئاب ما بعد التخرج ويصل لحالة اكتئاب عام وتتأثر الأنشطة اليومية للفرد. فيجب مراجعة الطبيب حيث يبدأ الطبيب بوضع خِطَّة لحالك المريض تتضمن:
- – العلاج السلوكي المعرفي
- – العلاج النفسي التفاعلي
- – العلاج المعرفي القائم على اليقظة الذهنية
- – العلاج بالتحفيز المغناطيسي
- ثم في النهاية يلجأ لاستخدام الأدوية مثل مضادات الاكتئاب ومضادات الذهان.
لذلك يوصى باللجوء لطبيب مختص عندما تؤثر الأعراض على الأنشطة اليومية للفرد وإنتاجية الفرد. إن اللجوء للطبيب يساعد في وضع خِطَّة شاملة لتنظيم الحياة وتقديم النصائح عن كيفية تخطي فترة ما بعد التخرج والحماية من أي تطور في الأعراض.
اكتئاب ما بعد التخرج هو حالة شائعة تصيب بعض الخريجين بعد إنهاء دراستهم الجامعية، حيث يشعرون بالقلق، الفقدان، أو الحيرة بشأن مستقبلهم. قد يكون من الصعب عليهم التكيف مع الحياة العملية والمسؤوليات التي تقع على عاتقهم بجانب الضغط النفسي من البيئة المحيطة. ولكن لا يعدو الأمر شديد الْخَطَر إذا تم التعامل معه بشكل سليم ووضع أهداف واضحة للعمل عليها. يمكن أيضا استشارة المختصين للتعرف أكثر على الطرق المختلفة للتخطيط لمستقبل أفضل خلال العديد من البرامج العلمية المتخصصة التي تم إعدادها بواسطة منصة لبيه.