هل الأدوية النفسية مضرة؟
تستخدم الأدوية النفسية لعلاج العديد من الاضطرابات النفسية، مثل الاكتئاب والقلق واضطراب ثنائي القطب وانفصام الشخصية. تقدم هذه الأدوية الكثير من الفوائد للأشخاص الذين يعانون من مثل هذه الاضطرابات، وذلك من خلال التخفيف من حدة الأعراض، ومنحهم الطاقة والقدرة على متابعة حياتهم بشكل طبيعي. من جهة أخرى يخشى كثيرون من الأدوية النفسية بسبب تأثيراتها الجانبية والمخاطر التي قد تحملها، فما هي حقيقة الأدوية النفسية وهل هي مضرة؟
ما هي فوائد الأدوية النفسية؟
تكمن أهمية الأدوية النفسية في قدرتها على ضبط أعراض الاضطرابات النفسية المتنوعة، والتي قد تكون معيقة لحياة الشخص وعائلته والمجتمع المحيط به، حيث تمنحه أملًا جديدًا وفرصة للمضي بحياته نحو الأمام. توجد أنواع عديدة من الأدوية النفسية، يختص كل نوع في اضطراب خاص، ويملك النوع الواحد أنواعًا فرعية عديدة، تختلف عن بعضها في الآثار الجانبية وشدة التأثير. فيما يلي بعض من فوائد الأدوية النفسية التي أثبتتها العديد من الدراسات العلمية:
تحسين المزاج وتخفيف أعراض الاكتئاب
إن الاكتئاب اضطراب نفسي شائع جدًا، يعاني منه كثيرون حول العالم. يسرق الاكتئاب من هؤلاء الأشخاص لذة حياتهم وطاقتهم وحيويتهم، وهو ليس باضطراب عادي أو حزن خفيف يمكن تجاوزه بالقليل من التشجيع والدعم. يحتاج هؤلاء الأشخاص إلى المساعدة، وإلى جانب الفوائد التي يقدمها العلاج النفسي السلوكي، أثبتت دراسة (Rush et al., 2006) أن الأدوية النفسية المضادة للاكتئاب ساعدت الكثير من الأشخاص المكتئبين على تحسين المزاج لديهم، واستعادة الشغف تجاه نشاطاتهم المفضلة، والقضاء على إحساس الفراغ وفقدان الأمل المسيطر على حياتهم.
الحد من مشاعر القلق والتوتر
قد تسبب بعض ظروف الحياة وضغوطاتها توترًا وقلقًا مستمرًا عند بعض الأشخاص، لا يزول هذا التوتر والقلق بالقليل من الراحة والهدوء، بل يصبغ نظام حياتهم ونظرتهم للأمور بالمزيد من القلق والتوتر، ويسبب استنزافا لطاقتهم وقدراتهم، وتشتيتًا لذاكرتهم وتفكريهم، وانخفاضًا في إنتاجيتهم في العمل. أثبتت دراسة (Bandelow et al., 2015) أن الأدوية النفسية المهدئة مثل البنزوديازيبينات ومثبطات إعادة قبط السيروتونين الانتقائية ساعدت بشكل كبير مرضى التوتر والقلق على استعادة السيطرة على حياتهم، وخفض درجة التوتر والقلق لديهم.
علاج اضطرابات ومشاكل النوم
تحدث مشاكل النوم في سياق العديد من الاضطرابات النفسية، إذ يترافق الاكتئاب بقوة مع الأرق، ويترافق اضطراب الكرب التالي للصدمة مع الكوابيس والأحلام المزعجة. تستنفد هذه الاضطرابات من طاقة المصاب، ومن حيويته ونشاطه وتركيزه، هذا بالإضافة إلى أنها تفاقم أعراض الاضطرابات النفسية، وزيادة خطر الاضطرابات الجسدية. أثبتت دراسة (Krystal et al,. 2013) أن الأدوية المهدئة والمسكنة، ساعدت الأشخاص المصابين بالأرق على الخلود إلى النوم بشكل طبيعي، وعلى تخفيف حدة الأحلام والكوابيس المزعجة التي تؤرق نومهم.
تحسين الأداء والإنتاجية
تعيق الاضطرابات النفسية المتنوعة الحياة العامة والخاصة والمهنية للمصاب، وهي بحاجة للعلاج مثلها مثل أي اضطراب أو مرض آخر. تقدم الأدوية النفسية فرصة للتخفيف من شدة الأعراض، وإعطاء المصاب مساحة كافية للاهتمام بنفسه، ومنحه الطاقة والأمل بوجود واقع يشعر فيه بالتحسن والاطمئنان.
الوقاية من انتكاسة الأعراض
تتصف الاضطرابات النفسية، مثل الكثير من الاضطرابات الجسدية الأخرى، باحتمالية عودتها وحدوث انتكاسة، وأحيانًا بشدة أعلى وأقوى من السابق، خصوصًا في حال عدم الالتزام بالأدوية والعلاجات الأخرى. إن إهمال المريض لحالته يؤدي لتفاقهما وزيادة شدة الأعراض، وهذا ما أثبتته دراسة (Bowden et al,. 2003) التي أكدت أهمية العلاج المستمر بالأدوية المناسبة في الوقاية من نكس أعراض اضطراب ثنائي القطب، وتؤكد بقوة على أهمية العلاج المستمر وطويل الأمد. إن العلاج الدوائي النفسي، مثل أي علاج آخر، يفقد مفعوله عند عدم شفاء المرض بصورة كاملة والتوقف المفاجئ عن العلاج، وكما توجد أمراض جسدية تحتاج العلاج الطويل الأمد والمستمر، فإن الاضطرابات النفسية تحتاج لنفس طريقة العلاج تقريبًا.
هل للأدوية النفسية تأثيرات جانبية؟
قد يؤدي العلاج بالأدوية النفسية تأثيرات جانبية مزعجة ومرهقة. تختلف هذه الأثار من صنف دوائي للآخر، حتى أنها تختلف بين الأصناف الفرعية للنوع الدوائي نفسه. تكون بعض هذه الآثار سهلة التحمل، تنحصر في الشعور بالغثيان أو النعاس أو زيادة الوزن، فيما تكون التأثيرات الجانبية أحيانًا صعبة التحمل، وتتجلى في التأثير على الذاكرة والتركيز.
إن هذه التأثيرات الجانبية لا تقلل من أهمية العلاج الدوائي للاضطرابات النفسية، ويمكن التقليل منها للحد الأدنى من خلال الالتزام بتعليمات الطبيب المعالج بدقة، وخصوصًا فيما يتعلق بجرعة الدواء ومدة العلاج.
يحتاج أي شخص يعاني من اضطراب نفسي للمساعدة والدعم وتلقي العلاج المناسب، سواء كان هذا العلاج دوائي أو نفسي، ورغم تعدد العلاجات، التي يملكها الطب النفسي في جعبته، لا يمكن أبدًا التقليل من الأثر الإيجابي للأدوية النفسية، في تخفيف معاناة المصابين بالاضطرابات النفسية ومنحهم أملًا جديدًا في حياة فعالة. مع هذا، يجب الحرص دائما على استخدام الأدوية النفسية ضمن القواعد والشروط التي يحددها الطبيب النفسي المشرف على العلاج.
الدراسات
1. Rush, A. J., Trivedi, M. H., Wisniewski, S. R., Nierenberg, A. A., Stewart, J. W., Warden, D., … & Fava, M. (2006). Acute and longer-term outcomes in depressed outpatients requiring one or several treatment steps: a STAR* D report. American Journal of Psychiatry, 163(11), 1905-1917.
2. Bandelow, B., Reitt, M., Röver, C., Michaelis, S., Görlich, Y., & Wedekind, D. (2015). Efficacy of treatments for anxiety disorders: a meta-analysis. International clinical psychopharmacology, 30(4), 183-192.
3. Krystal, A. D., Walsh, J. K., Laska, E., Caron, J., Amato, D. A., Wessel, T. C., & Roth, T. (2003). Sustained efficacy of eszopiclone over 6 months of nightly treatment: results of a randomized, double-blind, placebo-controlled study in adults with chronic insomnia. Sleep, 26(7), 793-799.
4. Calabrese, J. R., Bowden, C. L., Sachs, G., Yatham, L. N., Behnke, K., Mehtonen, O. P., … & Lamictal 605 Study Group. (2003). A placebo-controlled 18-month trial of lamotrigine and lithium maintenance treatment in recently depressed patients with bipolar I disorder. Journal of Clinical Psychiatry, 64(9), 1013-1024.