لماذا أشعر بالحزن فجأة؟
تؤثر فينا الحوادث اليومية وتتعبنا وتسبب لنا الأذى النفسي والجسدي، فما نعيشه ونختبره في حياتنا يؤثر على مشاعرنا، وغالبًا ما يكون هذا التأثير مؤقتًا ويزول مفعوله تدريجيًّا مع مرور الوقت، لكن أحيانًا نشعر بالحزن المفاجئ دون سابق إنذار أو دون سبب واضح له ويستمر معنا ويؤثر على حياتنا، ومع ذلك علينا أن نكون واعين لأهمية صحتنا النفسية ونطلب المساعدة فور الشعور بالحاجة إليها.
ما الحزن؟
الحزن هو شعور مؤقت يحدث لسبب محدد وواضح مثل: التعرض لخيبة أمل كبيرة أو خسارة شخص عزيز، وتزداد هذه المشاعر أو تنقص خلال اليوم ومع مررو الوقت، فقد تبكي أحيانًا وتشعر أن طاقتك استنفذت وليس لديك القدرة على الاستمرار وتجد صعوبة في التركيز والانتباه، لكن مع الوقت ستجد نفسك تعود تدريجيًّا إلى حياتك السابقة وتستمتع مجددًا بنشاطاتك اليومية.
أما الحزن المستمر فهو مختلف تمامًا، حيث يحيط بك كغطاء ثقيل ويحرمك من الاستمتاع بكل يوم ويجعلك تشعر بالفراغ والسقوط والهزيمة، كما أنك لا تعلم ما أوصلك إلى هذه الدرجة من الحزن المفاجئ لذا لا تعرف كيف تخرج من هذه الأزمة.
هل هناك دائمًا سبب للحزن؟
تشعر بالحزن للعديد من الأسباب، لكن من الطبيعي أحيانًا أن تحزن دون سبب محدد ويصبح تأثير خيبات الأمل الصغيرة عليك أكبر بكثير مما تظن وتتركك مستاءً لوقت طويل، فقد يكون شعورك تراكميًّا بسبب العديد من الصدمات التي خضتها في حياتك مثل: الشعور بالوحدة والتعرض للرفض المستمر ومشاكل في العلاقات العاطفية، فهذا كله يترك أثرًا طويلًا عليك، حتى إن قلة النوم والجوع غالبًا ما تضعك في مزاج سيء.
لكن أحيانًا يكون هناك أسباب أعمق للحزن مثل: الاكتئاب أو التعرض لصدمة معينة، أو وفاة شخص قريب، أو مشاكل هرمونية تؤثر جميعها سلبًا على مزاجك ومشاعرك يوميًّا.
Depression
يتمثل بمزاج سيء وقلة الاستمتاع بالنشاطات المعتادة لأسبوعين على الأقل، هو واحد من الاضطرابات العقلية الشائعة بين البشر، إذ يعاني المريض من صعوبات في النوم ومشاكل في التركيز وشعور بقلة القيمة وانعدام الأمل والتعب والغضب غير المبرر وتغيرات في الشهية، وقد تخطر على باله أفكار انتحارية أيضًا.
بالإضافة إلى أن هناك نوع من الاكتئاب يسمى الاكتئاب المستمر، الذي بحسب a study (Schramm et al., 2020) يعتبر اضطرابًا مزاجيّا مزمنًا، وغالبًا ما يكون أكثر إعاقة للحياة اليومية من الاكتئاب العرضي الشديد، ولا يُكتشف إلا عند اشتداد شكل النوبة الاكتئابية المتراكبة.
التعرض لصدمة
هو ردة فعل عاطفية أو جسدية لحدث أو أكثر من حوادث الحياة الكبيرة، والتي يستمر تأثيرها على صحتك العقلية والجسدية لفترة طويلة، فهي تؤثر على صحة دماغك وجهازك العصبي، وتسبب لك اضطرابات عاطفية تتمثل بتقلبات سريعة في المزاج، والبكاء والحزن دون سبب محدد وواضح، كما تجد صعوبة في تهدئة نفسك وإراحتها.
فإذا وجدت نفسك ما زلت متأثرًا بعد تعرضك لحادث معين بالرغم من مرور مدة طويلة عليه قد تكون تعاني من اضطراب ما بعد الصدمة، إذ تشير إحدى الدراسات (Iribarren et al., 2005) إلى أن الإجهاد الناتج عن التعرض لأحداث مؤلمة يؤدي إلى ظهور مجموعة من النتائج النفسية والفزيولوجية والعاطفية المرضية، فاضطراب ما بعد الصدمة هو اضطراب نفسي له عواقب نفسية وجسدية عميقة تضعف حياة الشخص اليومية وتهددها.
التغيرات الهرمونية
تسبب التغيرات الهرمونية تبدلات في المزاج وتشعرك بالإحباط والحزن المفاجئ دون أن تعلم السبب الكامن وراءه، فقد ربطت a study (Duarte et al., 2017) بين الاكتئاب والتغيرات الهرمونية، وذلك أن الأخيرة قد تؤدي إلى تبدلات عاطفية كبيرة بسبب التغيرات في الجهاز العصبي المركزي أو عمل الهرمونات على مستقبلاتها، وبالتالي تصبح اضطرابات الغدد الصم أحد الأسباب المحتملة للاكتئاب.
المواقف المزعجة
غالبًا ما تشعر بالحزن عندما تتعامل مع مشاكل معينة في حياتك مثل: تغيير منزل أو صعوبات العمل أو مشاكل مع الشريك أو خسارة صديق عزيز أو عندما يكون أحد أفراد أسرتك مريضًا. فالضغوطات المتزايدة تؤذي مشاعرك وتسبب لك تقلبات مزاجية غير متوقعة، كما أن التوتر له آثار نفسية وجسدية سلبية عليك وعلى صحتك.
كيف تحسن مزاجك؟
قد تبدأ ملاحظة حزنك المستمر إلى جانب ما تشعر به، لكن هناك العديد من الطرق التي تريحك وتعدل مزاجك وتساعدك في الخروج من هذه الحالة، منها:
1- شارك مشاعرك مع شخص تثق به وتحبه فالانفتاح على صديق مقرب أو أحد أفراد أسرتك يقلل شعور الوحدة لديك، وبالرغم من أن الحزن المفاجئ والمستمر يدفعك إلى الابتعاد عن الآخرين ويبعدك عمن حولك بسهولة ويقلل رغبتك في الخروج ويزيد عدم اهتمامك بنشاطاتك المعتادة، إلا أن عزل نفسك سيفاقم الحزن لديك ولن يحل المشكلة، بالرغم من أن المشاركة لن تزيل الحزن والغضب كليًّا لكنها ستخفف العبء عليك وتشعرك بأن هناك من يقف إلى جانبك ويساندك في محنتك.
2- اقرأ كتبًا مضحكة وشاهد فيديوهات طريفة على الإنترنت فذلك يزيل الحزن قليلًا ويرفع معنوياتك ويحسن مزاجك، فالناس يستخدمون الفكاهة للتعامل مع الحزن والاكتئاب، وإذا كنت من محبي هذا النوع من الكتب والأفلام يمكنك مشاهدة برنامجك المفضل أو قراءة كتاب تحبه فهذا كافٍ أيضًا ليبعدك عن التفكير بمشاعرك وحالتك النفسية لفترة من الوقت.
3- استمع إلى الموسيقى فهي تفيد الصحة النفسية وتعطيك راحة مؤقتة من الحزن وتمدك بالطاقة الإيجابية، فالاستماع للموسيقى يشجع دماغك على إنتاج هرمونات السعادة التي تحسن مزاجك وتقلل القلق والتوتر لديك، لكن عليك تجنب الموسيقى التي تسيء لمزاجك كالأغاني الحزينة لأنها تفاقم حالتك وتزيدها سوءًا.
4- عد إلى ممارسة هواياتك المفضلة فلا بد من أن مزاجك السيء أبعدك عنها وجعلها تبدو أقل متعة من ذي قبل، لكن تجربتها من جديد يقدم فوائد لحالتك النفسية ويحسن مزاجك كثيرًا، وليس من الضروري أن تكون بحاجة للكثير من الطاقة للقيام بها، إذ يمكنك في البداية تجربة أنشطة خفيفة مثل: قراءة كتاب أو أخذ حمام دافئ وسماع موسيقى هادئة مع شموع وزيوت عطرية، أو احتضان حيوانك الأليف، أو الخروج مع صديقك المفضل لشرب القهوة.
5- اخرج من المنزل حتى لو كان مزاجك لا يشجعك على ذلك، فضوء الشمس بالرغم من أنه لن يعالج مشاعر الحزن كليًّا إلا أنه يُحدث فرقًا في صحتك النفسية والجسدية. فهو يزيد من هرمونات السعادة التي يؤدي انخفاضها إلى شعورك بالحزن والإحباط، كما يمكنك تجربة الرياضة التي لها دور كبير في تحسين مزاجك وتقديم الراحة النفسية لك، لذا اجمع بين التعرض للشمس والرياضة عن طريق المشي في الحديقة أو على الشاطئ.
إذا شعرت أن الطرق السابقة فائدتها قليلة أو لا تساعدك في التخلص من حزنك يمكنك زيارة موقع لبيه وطلب المساعدة من الطبيب النفسي المختص الذي سيقدم لك النصائح والعلاج اللازم لإخراجك من حالة الحزن وعودتك إلى حياتك السابقة.
المراجع
1- Schramm E, Klein D.N, etc. Review of Dysthymia and Persistent Depressive Disorder: History, Correlates, and Clinical Implications. Lancet Psyciatry.2020;7(9):801-812. DOI: 10.1016/S2215-0366(20)30099-7
2- Iribarren J, et al. Post-Traumatic Stress Disorder: Evidence-Based Research For The Third Millennium. Evid Based Complement Alternat Med.2005;294):503-512. doi: 10.1093/ecam/neh127.3- Duarte N.D.S, et al. Relation Between Depretion and Hormonal Dysregulation. Open Journal of Depression.2017. doi:10.4236/ojd.2017.63005.