كيف أعالج نفسي من صدمات الطفولة؟
يمر الإنسان بالكثير من الصعوبات والأحداث في حياته، لكن بعضها يكون تأثيره قوي لدرجة تدخله في صدمة وتمنعه من الاستمرار في حياته بشكل طبيعي؛ لذا من الضروري الانتباه جيدًا لما يمر به أطفالنا منذ الصغر، لأن ذلك سينعكس عليهم وعلى صحتهم النفسية، فالتجارب السلبية تترك أثرًا خفيًّا قد يظهر في أي مرحلة من عمر الإنسان.
ما صدمة الطفولة؟
هي حدث مخيف أو عنيف أو مهدد للحياة تتعرض لها بعمر (1-18) سنة تؤثر على جميع نواحي حياتك، فقد تسبب شعورًا بالإرهاق والعجز والإنزعاج والغضب في لحظات معينة لأسباب لا تفهمها، ومع ذلك لا تعتبر جميع الأحداث الساحقة أو المهددة للحياة صادمة، فكل طفل يفسر تجاربه بطريقته الخاصة، وبالتالي تجربة الحياة المؤلمة لطفل قد لا تكون كذلك لآخر.
تؤثر صدمات الطفولة بجميع أنواعها على علاقاتك وصحتك العقلية والجسدية بغض النظر عن زمن حدوث الصدمة، إذ أنك ستبقى عالقًا في آلامك عندما تفشل في معالجة الصدمات الكبيرة أو الصغيرة.
أهم عناصر الصدمة التي يجب تذكرها والانتباه لها دائمًا هي
- الحدث: أي التهديد أو التعرض الفعلي للأذى الذي حدث مرة أو عدة مرات، مثل: سوء المعاملة والإهمال أو وفاة أحد أفراد الأسرة أو التنمر، فقد أوضحت a study (DC, 2016) أن الآثار السلبية للتنمر تكون كبيرة على الصحة النفسية والجسدية وتتماشى مع الأشكال الرئيسية الأخرى لسوء المعاملة، كما تمت الإشارة إلى ضرورة دعم الجهود المبذولة للكشف عن التنمر والقضاء عليه.
- التجربة: تشير إلى إدراكك الفريد للحدث وفهمك للتجربة المحتملة وتصورك للحدث.
- الأثر: وهو تأثير التجربة والحدث عليك الذي قد يكون طويل أو قصير الأمد ويأتي فورًا أو يظهر لاحقًا، ويؤدي تأثير الحدث وتجربته إلى مشاكل جديدة أو متزايدة في العلاقات الاجتماعية والأسرية، كما يسبب تغيرات في النوم والأكل والمزاج، بالإضافة إلى صعوبات في التركيز والتفكير والتعبير عن المشاعر.
ما هي الأحداث التي تسبب الصدمة؟
هي ما يسبب لك أو لأحد أحبائك شعورًا مباشرًا بالتهديد، ويمكن تقسيم هذه الأحداث المؤلمة لنوعين، منها ما يحدث لمرة واحدة مثل : الكوارث الطبيعية أو الذهاب للمشفى أو الموت المفاجئ لأحد الوالدين. أما النوع الآخر من الأحداث المؤلمة هي التي تحدث بشكل متكرر مثل: الإيذاء الجسدي أو العاطفي الذي بحسب a study (Annerbäck et al., 2018) يعد مشكلة صحية واسعة النطاق بسبب انتشارها المرتفع وارتباطها بنتائج صحية ضارة، إذ تُظهر العديد من الأبحاث وجود تأثيرات قوية ودائمة للإساءة الجسدية وغيرها من تجارب الطفولة السلبية على الصحة النفسية والجسدية في مرحلة البلوغ، ويتبع هذا النوع من الإساءة الشعور بالخوف والخسارة والضيق.
ما هو الإجهاد الناتج عن صدمة الطفولة؟
هذا الإجهاد هو عبارة عن ردود أفعال تؤثر على حياتك اليومية بطرق مختلفة مثل: زيادة الانفعال أو الانسحاب أو التصرف بطريقة أصغر من عمرك، وصعوبات في التعامل مع الآخرين، ومشاكل وتغيرات في نمط الأكل والنوم والأداء الدراسي وذلك بعد تعرضك لحادث صادم، وتظهر الأعراض الناتجة عن هذه الصدمة بعد أسابيع أو أشهر من وقوعها، وقد تعود مرة أخرى في فترات مختلفة طوال حياتك، وتختلف حسب المرحلة العمرية ومن شخص لآخر، ومن هذه الأعراض:
- إعادة خلق الصدمة عن طريق اللعب.
- السؤال المتكرر عن الموت.
- فقدان الشهية والوزن.
- القلق بشأن سلامتك وسلامة الآخرين.
- الشعور بالذنب والعار والاكتئاب والوحدة.
- صعوبة في التركيز والنوم.
- عدم الرغبة في الذهاب لأماكن تذكرك بالحدث، وعدم القدرة على البوح عن مشاعرك الحقيقية.
- التصرف دون التفكير بالعواقب.
عندما تتطور هذه الأعراض فإنها تحدث تلقائيًا أي بطريقة خارجة عن سيطرتك عندما تحاول التحكم بمشاعرك السلبية التي تظهر استجابةً لذكريات الحدث، فقد أكدت a study (Vivalya et al., 2023)على الدور الذي تلعبه صدمة الطفولة في إحداث أمراض نفسية وعلى نتائجها طويلة المدى على حياة البالغين، وتكون أكثر صعوبة في العلاج مع ارتفاع معدلات النكس والإقامة الطويلة في المشفى خلال فترة العلاج.
كيف تتعافى من صدمة الطفولة؟
تولد الصدمة مجموعة من المشاعر السلبية والمؤلمة مثل: الغضب والحزن والعار والخوف، وإن لم نعالج هذه المشاعر وقت حدوثها فإنها ستبقى عالقة في أذهاننا وأجسادنا، وبدلًا من الشفاء من هذا الحدث المؤلم ستبقى الصدمة كطاقة سلبية من اللاوعي تؤثر على حياتك حتى تكتشفها وتعالجها. وهنا بعض الطرق التي تساعدك في التعافي منها والخروج من هذه الدوامة:
المواجهة
الخطوة الأولى للشفاء هي مواجهة التجارب المؤلمة والتوقف عن العيش في حالة إنكار، فالتعرف على آثار الصدمة على حياتك يعتبر جزء كبير من عملية الشفاء لأن تجاهلها أو قمعها يؤدي إلى إدامة الاضطراب العاطفي والنفسي الذي سببته لك، وبعد قبول الصدمة والاعتراف بها يمكنك البدء في معالجة Feelings والذكريات المرتبطة بها، وهذا كله سيسمح لك في النهاية بالعمل على التغلب على الألم والبدء في الطريق نحو الشفاء والنمو.
اطلب المساعدة
لا تعزل نفسك واطلب المساعدة كجزء من عملية الشفاء، فغالبًا ما يميل المصابون بالصدمات لعزل أنفسهم والابتعاد عن الآخرين مما يؤدي إلى تفاقم الوضع، لذا ابذل جهدًا وحاول المحافظة على علاقاتك عن طريق التحدث مع أحد أفراد عائلتك أو أصدقائك والانضمام إلى مجموعات الدعم للناجين من صدمات الطفولة.
الاعتناء بالنفس
تأكد أنك تعتني بنفسك جيدًا، فإذا كنت بصحة جيدة ستكون قادرًا على التعامل مع التوتر بشكل أفضل، لذا حاول أن تخطط ليومك حتى تستطيع الحصول على قسط كافٍ من النوم، وتناول الطعام الصحي، وممارسة التمارين الرياضية بشكل منتظم، واستبدال العادات السيئة -مثل: التفكير السلبي أو الشك بالآخرين- بمهارات صحية عن طريق مساعدة مستشار خاص أو مجموعات الدعم.
القبول
تعلم كيفية قبول الأشياء التي لا يمكنك تغييرها والتخلي عنها، فقبول أي شيء لا يعني أنك تتقبل الصدمة التي تعرضت لها أو توافق عليها أو تحبها، بل تدل أنك قررت أن تتعامل معها. إن فعل التخلي لا يعني أن المشكلة تم حلها بطريقة سحرية، بل يعني ألا تدع ذكريات الطفولة ومشاعرك السلبية تمنعك من عيش حياتك في الوقت الحاضر.
كن لطيفًا مع نفسك
قد تتركك صدمات الطفولة المؤلمة بمشاعر لا يمكن السيطرة عليها، وإحساس قوي للدفاع عن نفسك، ووجهات نظر مشوهة قد يصعب التخلي عنها، وعلى الرغم من أن التخلص من هذه المشاعر يستغرق وقتًا طويلًا، لكن لا يجب عليك التخلي عن نفسك أبدًا مهما بدا تطورك بطيئًا، فهذه التطورات البسيطة ستساعدك في نهاية المطاف للتخلي عن هذه المشاعر.
تذكر دائمًا أن ما تمر به من تجارب ليس بالضرورة أن يستمر تأثيرها مدى الحياة، وإذا شعرت أنك لم تعد تستطيع تجاوز ذلك وحدك قم بزيارة موقع لبيه واطلب استشارة طبيبك النفسي الذي سيساعدك في تجاوز هذه المحنة والمضي قدمًا في حياتك.
المراجع
1- DC R, S P. Bullying. Child and Adolescent Psychiatric Clinics of North America.2016;25(2):235-242. https://doi.org/10.1016/j.chc.2015.12.002
2- Annerbak E.M, et al. Child Physical Abuse: Factor Influencing the Association Between Self-Reported Exposure and Self-Reported Health Problems: a Cross-Sectional Study. Child and Adolescent Psychiatry and Mental Health.2018;38. Doi: https://doi.org/10.1186/s13034-018-0244-1
3- Vivalyia B.M.N, et al. Childhood Trauma Among Adult Patients with Mental Illness in South-Western Uganda: A Hospital-Based Study. Science Direct.2023. https://doi.org/10.1016/j.ssmmh.2023.100208