هل جيل اليوم يعاني من الهشاشة النفسية؟
إن الأجيال الحالية أصبحت تعاني من الهشاشة النفسية بشكل كبير من كثرة ضغوط ومصاعب الحياة.
فنجد الشباب يواجهون الكثير من المصاعب ويحتاجون لبذل مجهود كبير لتحقيق أبسط أساسيات الحياة الآن. ولكن يجب عليهم وضع الاهتمام بالصحة النفسية من ضمن أولويات الحياة لضمان حياة سليمة خالية من الهشاشة النفسية.
ولكن نجد الأجيال السابقة كانت تواجه الحياة وصعوباتها بشكل أكثر تماسكاً ولا نجد انتشار للأمراض النفسية مثل الوضع الآن، فما السبب وراء ذلك؟
ما هي الهشاشة النفسية؟
إن الهشاشة النفسية تشير إلى حالة نفسية سيئة يصل إليها الشخص نتيجة التأثر بالعوامل النفسية والبيئية المحيطة به ويزداد لديه الشعور بالحزن والعجز الذي يؤدي للانهيار.
والأشخاص الذين يعانون من المشاكل النفسية لا يقدرون على التعامل بشكل سليم مع أمور الحياة المختلفة ويؤثر ذلك بشكل كبير على صحتهم النفسية. وقد يعانون من أمراض نفسية خطيرة بسبب الإهمال وتراكم الضغوطات وعدم التعامل معها بشكل سليم.
ما هي أسباب الهشاشة النفسية؟
تختلف الأسباب المؤدية لتدهور الصحة النفسية والإصابة بالهشاشة بين هذه الأجيال ومنها:
1- التجارب الصادمة:
إن التعرض لصدمة مفاجئة وعدم القدرة على التكيف معها يترك أثر كبير في نفسية الفرد ويؤثر على صحته النفسية.
2- ازدياد الضغط:
أصبحنا الآن نتعرض للتوتر والضغوطات بسبب روتين الحياة اليومي بشكل كبير، وذلك يؤثر بشكل سلبي على الصحة النفسية للأفراد نتيجة عدم القدرة على التخلص من هذه الضغوطات.
3- غياب الدعم الاجتماعي:
الأشخاص الذين يفتقرون إلى الدعم من الأصدقاء أو الأسرة يكونون أكثر عرضة للشعور بالهشاشة النفسية.
4- اضطرابات النفسية:
تعرض الفرد للاضطرابات مثل الأمراض النفسية: الاكتئاب، أو اضطراب القلق ،أو اضطرابات الشخصية، والتي تجعل الشخص أكثر عرضة للإصابة بالهشاشة النفسية.
5- انعدام الثقة بالنفس:
عدم الشعور بالثقة في النفس يزيد من الهشاشة النفسية ويجعل الحالة النفسية سيئة حيث يتأثر الشخص بأقل المواقف.
هل اختلف مفهوم الصحة النفسية لدى مختلف الأجيال؟
إن مفهوم الصحة النفسية شهد تغيرات كبيرة لدى مختلف الأجيال، وذلك بسبب التغيرات الثقافية والفكرية والاجتماعية والتطور التكنولوجي الذي نشهده هذا العصر. وتتضح أوجه الاختلاف فيما يلي:
1- الوعي بمفهوم الصحة النفسية:
قديماً لم يكن متعارف على مصطلح الصحة النفسية أو الطبيب النفسي وكان يعتبر مثل وصمة عار بمجرد ذكر الإصابة بمشكلة نفسية ومحاولات لإخفائها. أما الآن ازداد الوعي بأهمية الصحة النفسية والوقاية من المشاكل التي قد تؤدي إلى الهشاشة النفسية. وانتشر العديد من الحملات للتوعية بأهميتها وأنها لا تقل أهمية عن الصحة الجسدية.
2- التفكير حول العلاج النفسي:
قديماً لم تكن مهنة الطبيب والعلاج النفسي منتشرة فيقتصر العلاج على من يعاني من مشاكل نفسية خطيرة وحالات يستعصي التعامل معها، وغالباً ما يلجأون للمستشفى النفسي للتعامل مع مثل هذه الحالات. أما مجرد المشاعر السيئة والحزن فكان يتم التعامل معها أنها فترات وتنقضي ليس هناك داعي لإعطاء الأهمية لها. أما الآن أصبح العلاج النفسي منتشر بشكل واسع ولا يتردد أحد في طلب العلاج حتى أنه انتشرت الاستشارات النفسية أون لاين حتى يسهل على كل فرد الوصول للعلاج. وكثير من الناس تعتبر العلاج النفسي الآن أولوية يجب مراعاتها.
3- التعامل مع ضغوطات الحياة:
لم يكن قديماً متاح التعبير عن المشاكل النفسية والحزن أمراً سهلاً للجميع، بل يظهر الشخص في موضع ضعف لمجرد التعبير عن اليأس والحزن ويجد الظهور دائماً بمظهر الصامد والمتماسك أمام جميع مصاعب الحياة، أما الآن أصبح هناك توجه كبير حول التعبير عن المشاعر السلبية وعدم تركها تؤثر على حياة الفرد، فازداد الوعي بأهمية الصحة النفسية.
4- التغيرات الثقافية والاجتماعية:
قديماً لم يكن متعارف التعبير عن المشاكل النفسية أمام الجميع أمراً سهلاً ولا يوجد مجموعات العلاج النفسي، حتى زيارات الطبيب النفسي لم تكن متاحة بالشكل الكافي. وإظهار أنك حزين يقتصر على الأسرة والأصدقاء المقربين فقط، أما الآن أصبح من السهل التحدث عن أي مشكلة نفسية والوصول لأي معلومات عن أي اضطراب نفسي وكيفية التعامل معها، ولم يعد هناك وجود وصمة الإصابة بالمرض النفسي التي كانت توجد قديما.
5- التقدم التكنولوجي:
هذا التقدم هو سلاح ذو حدين فقديماً لم تكن هناك وسائل الدعم والاستشارات الاون لاين والحصول على نصائح من خلال الإنترنت. كثرة انتشار التقدم ووسائل التواصل الاجتماعي وظهور العديد من منصات إلكترونية تدعم العلاج النفسي سهل على الأجيال اللجوء إليها لمساعدتهم.
6- التعامل مع ضغوط الحياة:
قديماً كانت الحياة أكثر سهولة وأقل مشقة. لم تكن هناك تغيرات اقتصادية واجتماعية كبيرة كان التعامل مع ضغوطات العمل وأمور الحياة أبسط وأسهل من الوقت الحالي. أما الآن تواجه الأجيال العديد من الضغوطات وتسارع في وتيرة الحياة ويرغب الشخص منذ الصغر بتحقيق العديد من الأهداف، مما يؤثر ذلك على صحته النفسية ويصاب بالهشاشة النفسية لعدم تحقيق أهدافه.
7- دور الدولة في الصحة النفسية:
قديماً لم يكن الاعلام يلقي الضوء علي أي مشاكل نفسية أو الاهتمام بالصحة النفسية حتى خلال مراحل التعليم المختلفة لم يكن هناك اهتمام بالمشاكل النفسية، أما حاليا أصبح هناك اهتمام كبير بالصحة النفسية، حتى أنه تم تخصيص يوم عالمي للصحة النفسية لتسليط الضوء حول التحديات النفسية التي تواجه المجتمع.
لماذا نجد الهشاشة النفسية منتشرة بشكل أكبر بين الأجيال الحالية؟
بالرغم من ازدياد الوعي بالصحة النفسية كما ذكرنا لدى هذه الأجيال ولكن يظل انتشار الضعف والهشاشة النفسية أمراً كبيراً.
ويرجع ذلك إلى التغيرات الإجتماعية والثقافية والفكرية التي طرأت على المجتمع، جعلت الأفراد في حالة انشغال دائم ولا يوجد الوقت الكافي للإهتمام بالصحة سواء الصحة الجسدية أو الصحة النفسية، فأصبحت الأجيال أقل تماسكا في مواجهة المشاكل، ونناقش ذلك في عدة أسباب:
حديثاً:
أصبحت الأجيال الحالية تعيش في حالة من التوقعات العالية والطموح الكبير الذي لا يتناسب مع قدراتهم ومع ظروف الحياة. فنجد الشباب في السن الصغير يرغب في الوصول لأعلى المناصب بدون بذل مجهود، وذلك يجعلهم أكثر عرضة للإحباط والهشاشة النفسية بعد التصادم مع الواقع.
قديماً:
لم يكن هناك وجود لعالم السوشيال ميديا الذي ساعد على توسع آفاق الشباب وطموحاتهم بشكل سيء، فالطموح في حد ذاته دافع عظيم ولكن يحتاج للمجهود ومعرفة القدرات الشخصية.
وسائل التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين
- – أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي الآن ناقوس خطر على الأجيال. فأصبح كل فرد يقارن بين غيره، ويرغب في مثل هذه الحياة والشعور بالعجز لعدم تحقيق ما يصل إليه أقرانه، مما يؤثر سلباً على صحتهم النفسية.
- – عدم وجود تواصل حقيقي بين الأشخاص بسبب التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، تهمل الأجيال الصغيرة المقابلات والجلوس سوياً، حيث أصبح كل شيء من خلال الانترنت فقل الدعم العاطفي والمعنوى وأصبحت الهشاشة النفسية منتشرة بشكل كبير.
- – التحديات الاقتصادية التي تواجهها الأجيال الحالية يزيد من الضغط النفسي وارتفاع تكاليف المعيشة، مما يزيد مشاعر القلق والاكتئاب فتزداد الهشاشة النفسية لديهم.
- – التغيرات السريعة في العالم، والتطور التكنولوجي يجعل وتيرة الحياة سريعة، ويكون صعب على بعض الفئات التكيف مع هذه التغييرات ومواكبة العصر، مما يزيد من حالتهم النفسية سوءاً.
- – بسبب ازدياد ضغوط الحياة والاضطرار للعمل ساعات متواصلة لم يعد هناك الوقت الكافي للرفاهية وممارسة الأنشطة الترفيهية. فهذا يخل بالتوازن النفسي لدى الأفراد.
- – ارتفاع الطموح والتوقعات ومحاولة الوصول دائماً إلى الحلول لأي مشكلة. ودائماً يسعى الأفراد لتحقيق الطموحات بشكل سريع، مما يزيد الضغط النفسي و الهشاشة النفسية المعرضين لها.
لذلك؛ على الرغم من معرفة الأجيال الجديدة بأهمية الصحة النفسية وكيفية مواجهة الهشاشة النفسية، إلا أن التحديات تفوق قدراتهم على ذلك؛ فنجد الأمراض النفسية تنتشر بشكل واسع بين الأجيال الحديثة.
كيف يمكن التعامل مع الهشاشة النفسية؟
التعامل مع الهشاشة النفسية يتطلب زيادة الوعي والتثقيف عن الصحة النفسية والتعامل بشكل سليم مع المشاعر السلبية. وهناك بعض النصائح تساعد على تخطي الهشاشة النفسية:
- التعامل بشكل سليم مع المشاعر السلبية وعدم كتمانها.
- تقبل الذات والتعاطف معها و تقبل أي انتقاد من الآخرين وتحويله لنقاط قوة.
- توسيع دائرة المعارف والبحث عن الدعم المستمر من الآخرين.
- ممارسة الهوايات والأنشطة الرياضية وبناء عادات صحية سليمة وممارسة تقنيات التأمل والتنفس.
- تقليل التوتر والخوف من المستقبل ووضع حدود لما يتحمله الفرد من ضغوطات.
- ربنا نضطر إلى طلب المساعدة من المختصين للحصول على الدعم الصحيح.
ربما بعض النصائح البسيطة ولكن تساعد بشكل كبير على تخطي الهشاشة النفسية ومواجهة تحديات المستقبل بصدر رحب.
و في النهاية؛ يجب أن ندرك أن الهشاشة النفسية هي حالة مرضية بسيطة يمكن معالجتها والتعامل معها بشكل فعال، على الرغم من اعتبارها آفة من آفات هذا الجيل. ولكن بازدياد الوعي عن الصحة النفسية عن الأجيال السابقة أصبح الأمر أكثر سهولة في التعامل مع هذه المشكلة.
Download the app now للتعرف أكثر عن برامج واستشارات نفسية!