لا يخفى على أحد الأهمية العظيمة للأم في حياة كل طفل، فهي عِماد الأسرة ومرتكزها الأساسي بالتعاون مع الأب. “الأمومة هي اختيار تقوم به كل يوم؛ لتضع سعادة شخص آخر ورفاهه في مقدمة أولوياتك”. يُقال بأن تربية طفل واحد تحتاج إلى قرية بكاملها، فكيف الحال إذا كان الطفل يعاني من أحد الأمراض النفسية.
دون أدنى شك، إن المسؤولية هنا مضاعفة ولكن ليست مستحيلة، فمن الطبيعي أن يكون الأمرُ مُربكًا وصعبًا، وهذه التجربة ليست بالتجربة البسيطة، ولكن عند وجود الوعي الكامل بحالة الطفل الصحية والنفسية وتوفر المعرفة حول كيفية تقديم الدعم العاطفي والعملي يُمكنك أن تُحدث فرقًا إيجابيًا في حياة كل من الطفل والأم. هذا ما سنحاول تقديمه في هذه المقالة، بهدف دعم الأم، وتقديم المساندة الصحيحة لها وللطفل لتمكينه من الوصول إلى حياة مُرضية.
ما هو المرض النفسي؟
يُعرف المرض النفسي بأنّه اضطراب عقلي أو سلوكي أو عاطفي وله تأثيرات تتدرج من ضعيف إلى متوسط إلى شديد جدًا، ويتميز المرض النفسي الشديد بأنّه ينتج عنه تدهور وظيفي خطير والذي يحد من واحد أو أكثر من نشاطات الحياة الأساسية بشكل ملحوظ.
كما ذكرت منظمة الصحة العالمية أنّه في عام 2019، واحد من كل ثماني أشخاص أو ما يقارب 970 مليون شخص حول العالم كانوا يعانون من مرضٍ نفسي، حيث أن اضطرابات القلق والاكتئاب كانت الأكثر شيوعًا، وقد ارتفعت بشكل ملحوظ بنسبة 26% و 28% عام 2020 والسبب هو جائحة كورونا.
أبرز أنواع الأمراض النفسية
الأمراض النفسية منتشرة بشكل واسع، وتصيب الجميع من مختلف الأعمار، وقد ذكرت المنظمة الأمريكية للطب النفسي 2022 هذه الأنواع:
- اضطراب القلق: الذي يشمل: قلق الانفصال، والرُّهاب، والقلق الاجتماعي، والقلق العام، والهلع.
- الاكتئاب: مشاعر اليأس والحزن فقدان الأمل.
- اضطراب المُعارض المتحدي (ODD): كالقيام بالعناد والإصرار مع الأشخاص المقربين مما يؤدي إلى مشاكل جدية.
- اضطراب المسلك (CD): العدوان والعنف تجاه الآخرين وانتهاك القواعد والضوابط.
- اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD): مشكلة في الانتباه مترافقة مع سلوكيات متهورة.
- متلازمة توريت: حركات أو تشنجات أو أصوات لا إرادية.
- اضطراب الوسواس القهري (OCD): أفكار ملحة وإكراهات سلوكية.
- اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD): تكرار الحدث الصادم إما بالتفكير أو أثناء اللعب.
حاجات الطفل الذي يعاني من مرض نفسي
معرفة علامات المرض النفسي لدى الطفل وحاجاته، هي في غاية الأهمية عند الشروع في تدعيم الأم، وتمكينها من تقديم الرعاية الأمثل للطفل؛ خاصةً عند عدم قدرة الطفل على التعبير بدقة عن مشاعره واحتياجاته، ولعل أبرز حاجات الطفل الذي يعاني من مرضٍ نفسي على اختلاف نوعه هي:
- الشعور بالقبول والاحتضان من قبل من حوله.
- معرفة الآخرين للأعراض التي يُظهرها الطفل المريض.
- بيئة داعمة ومتفهمة لطبيعة الأمراض النفسية.
- الوصول إلى المراكز الصحية وتوافر الأدوية.
كيفية دعم الأم التي يعاني طفلها من مرض نفسي
للأهل ومقدمي الرعاية دور حاسم وجوهري في دعم الأم لمساندة الطفل الذي يعاني من المرض النفسي، لكن هناك أشياء يمكنك أن تقوم به لدعم الأم حتى لو لم تكن اختصاصيًا في الصحة النفسية، من ضمنها:
- الاهتمام بمقدم الرعاية
إذا لم تكن الأم بحالة صحية ونفسية جيدة، فكيف ستتمكن من دعم طفلها؟ ومن هذا المنطلق فإنك تستطيع مساعدة الأم على الاهتمام بنفسها من خلال منحها مساحة لكي تحصل على قسط من الراحة وحمل الأعباء اليومية المنزلية.
- دراية ومعرفة كاملة بالأعراض وكيفية إدارتها
من الطبيعي أن تظهر أعراض مختلفة لدى الطفل الذي يعاني من مرض نفسي، وهنا قد تشعر الأم بالإحراج أو الخجل؛ لذا أحد أهم وسائل تدعيم الأم، هي الحصول على كافة المعلومات الأساسية والاطلاع على أحدث الأبحاث والدراسات المتعلقة بحالة الطفل للتمكن من إدارة الأعراض بالشكل الأمثل ومساعدة الأم والطفل على التأقلم.
ومن الأهمية بمكان هي قدرتك على النظر للأمر ولأي سلوك يصدر عن الطفل بشكل طبيعي، وستتمكن من ذلك عندما يكون لديك المعرفة الكافية بالمرض النفسي وكيفية التعامل معه.
- تقديم الدعم العاطفي
في بعض الأحيان مجرد الاعتراف بصعوبة المهمة الموكلة للأم التي يعاني طفلها من مرض نفسي يعني لها الكثير، قد يبدو بسيطًا ولكن من الصعب القيام به؛ لأنه في بعض الأحيان نخاف من أن نقول أشياء مهينة أو خاطئة أو فضولية، فالدعم العاطفي هنا يكون فقط بالاستماع الفعال إلى الأم والتواجد بجانبها عندما تحتاج إلى شخص للتحدث معه.
- الإصغاء للاحتياجات وعرض المساعدة
عندما يتعرض الطفل لكسر في قدمه نجد العائلة والأصدقاء يهرعون لتقديم المساعدة، كذلك الأمر عندما يعاني الطفل من مرض نفسي، فإن مثل هذه التصرفات تكون غاية في الأهمية لدعم الأم، فقد لا تستطيع الأم التعبير عن الشيء التي هي بحاجة إليه؛ لذلك بدلًا من استخدامك لتعابير عامة مثل: أنا هنا لمساعدتك، يجب أن تحاول فهم احتياجات الأم في المقام الأول، والاستماع إلى ضغوطها ثم يمكنك أن تسألها سؤالًا أكثر تحديدًا مثل: هل أراقب أطفالك الآخرين بينما تأخذين ابنتك إلى موعد العلاج النفسي؟
- التحلي بالتفهم والصبر
كأي مرض جسدي يصيب الإنسان، فإن التحلي بالصبر هو أمر جوهري على طريق العلاج، ولا يختلف هنا مع المرض النفسي. يمكن تدعيم الأم عبر توجهها إلى التعامل بصبر مع الطفل، وكذلك تفهم مشاعره وحاجاته الفريدة، ومن الجدير بالذكر هنا، أن عليك فهم مشاعر الأم التي تعتني بطفلها المريض في سبيل دعمها؛ فالمسؤولية الملقاة على عاتقها عظيمة ومرهقة.
- التعاون بين أفراد الأسرة لدعم الأم
عندما تشعر الأم بأنّ الجميع منخرط ومتعاون معها أثناء تقديم الرعاية للطفل، فإن ذلك له أثر بالغ الأهمية في دعمها ومساندتها؛ لذا فإن تعاون أفراد الأسرة والأطفال الآخرين مع بعضهم هو خطوة أساسية للتشارك في حمل المسؤوليات.
- التنسيق مع المدرسة أو المركز التعليمي
من النقاط الهامة في دعم الأم أيضًا، هي التوعية على أهمية التنسيق والمتابعة المتواصلة مع المدرسة أو المركز التعليمي للتأكد من أن الطفل يحظى بالرعاية المناسبة لحالته الصحية أثناء تواجده خارج المنزل، وهذا يؤدي إلى منح الأم الثقة والاطمئنان وبنفس الوقت المساحة الكافية لتأخذ قسطًا من الراحة.
- تشجيع الأم على طلب المساعدة الاختصاصية
قد يكون من الصعب إقناع الأم بطلب المساعدة الاختصاصية؛ لأنها بطبيعة الحال تكون في حالة من الضغط والضياع، لذا من الضروري اختيار التعبيرات الدقيقة والأسلوب المناسب؛ لأن العبارات المباشرة قد تحمل حكمًا مسبقًا، لذلك يمكنك أن تقول: هل تشعرين أن لديك الدعم المناسب في هذا الوقت؟ فذلك يزيل الشعور باللوم لدى الأم لعدم معرفتها ما تفعل وتساعدها على الانفتاح على فكرة طلب المساعدة.
خمس نصائح أساسية أثناء تقديم الدعم للأم
لتقديم أفضل ما يمكنك لتدعيم الأم التي يعاني طفلها من مرض نفسي وتحقيق أفضل النتائج المرجوة لإحداث الفارق الإيجابي، إليك مجموعة من النصائح التي باتباعها يمكنك دعم الأم بصورة صحيحة نذكر منها:
- احترم استقلالية الأم ولا تقدم نصيحة غير مرغوب بها.
- أظهر لها الدعم والتفهم وتجنب إطلاق الأحكام.
- ثقف نفسك حول المرض النفسي.
- تعاطف مع الأم لطمأنتها أنها ليست لوحدها وليس إظهارًا للشفقة.
- تعامل مع الحالة على أنها أمر طبيعي في الحياة.
الأمومة رحلة جميلة، لكنها ليست دائمًا سهلة، إنها مليئة بالتحديات والتضحيات والعمل الجاد، ولكن في النهاية، الأمر يستحق كل هذا العناء.
وفي ختام الحديث، لا بد من التأكيد على أن المرض النفسي ليس وصمة عار، ولا يسبب الخجل إطلاقًا، بل على العكس، هو كأي مرض قد يصيب أي شخص، يتطلب العلاج الصحيح والدعم المناسب من قبل جميع أفراد المجتمع، وطلب المساعدة ليس دليل ضعف أو عجز بل هو ضرورة.
من المهم نشر الوعي المجتمعي حول الأمراض النفسية وتثقيف النفس حول مختلف أنواع تلك الأمراض، وذلك لدعم الأم وجميع مقدمي الرعاية وتعزيز ثقة الأم بقدرتها على توفير البيئة الحاضنة والداعمة لطفلها؛ لتمكينه من النمو الأمثل والاستقلال، ولا تنسَ أن تأخذ بعين الاعتبار أنه من الممكن ألا يتصرف الجميع بطريقة مثالية، لذا فدعم الأم هو أمر هام لكي تتمكن بدورها من دعم وحماية طفلها.
إذا كنت بحاجة إلى معرفة المزيد حول كيفية دعم الأم التي يعاني طفلها من مرض نفسي بإمكانك التواصل مع اختصاصي ضمن تطبيق لبيه للمساعدة والحصول على الدعم المناسب.
المراجع
1- Children’s Mental Disorders, www.cdc.gov, retrieved on 2/6/2023.
2- Mental Illness, www.nimh.nih.gov, retrieved on 1/6/2023.
3- Mental disorders, www.who.int, retrieved on 1/6/2023.
4- Supporting the Family of a Child with Mental Health Challenges, www.childrenscolorado.org, retrieved on 1/6/2023.
5- Learning to Help Your Child and Your Family, www.nami.org, retrieved on 1/6/2023. 6- Puckette, M. (2008). Raising Troubled Kids: Advice from Parents of Children With Mental Illness Or an Emotional Disorder. Booksurge Publishing.