عندما نتحدث عن الصحة النفسية بشكل عام، فقد يعتقد البعض أن العلاقة بين مشاكل الصحة النفسية ترتبط بتأثيرات المخ فقط، ولكن مع تقدم الأبحاث وجدنا علاقة قوية بين المشاكل النفسية والجهاز الهضمي أيضًا. فهناك اتصال كبير بين المرض النفسي والمخ والجهاز الهضمي. وأشارت الأبحاث إلى أن الأشخاص الذين يتمتعون بـ المرونة النفسية والقدرة على التكيف يتمتعوب بصحة أمعاء جيدة ولا يعانون من مشاكل في الجهاز الهضمي. وهذا ما سنتحدث عنه من خلال المقال.

ماذا تعني المرونة النفسية؟

المرونة النفسية هي القدرة على التكيف مع ضغوطات وصعوبات الحياة والقدرة على تقبل المواقف الصعبة والتعامل معها دون التأثير على الحياة والصحة.
المرونة تنبع من داخل الشخص عندما يكون قادرًا على مواجهة المخاوف والتحديات بصدر رحب والتعامل معها بجدية، وذلك يحسن من الحالة النفسية لدى الفرد. وبالتالي الصحة الجسدية أيضًا.
فنجد الأشخاص الذين يتمتعون بالمرونة النفسية قادرين على التفكير بإيجابية والتعلم من الأزمات والصعوبات، ولديهم القدرة على التخطيط واستخدام أساليب مختلفة للنجاة، ويتحكمون بمشاعرهم بحيث لا تتحكم بهم.
كما نجدهم أشخاصًا متفائلين وواثقين من خطوات حياتهم. لذلك، المرونة النفسية مهارة عظيمة تساعد الفرد في الحفاظ على صحته النفسية والجسدية. وبشكل عام، يمكن اعتبار المرونة النفسية كمهارة قابلة للتعلم والتطوير، وتساعد الأفراد على التمتع بحياة أكثر استقرارًا وإيجابية، مهما كانت التحديات.

ما هي العلاقة بين المخ وأجهزة الجسم المختلفة والحالة النفسية؟

سوف نتناول الحديث عن العلاقة بين الجهاز الهضمي، وبالأخص الأمعاء، والدماغ.
إلى حد كبير، تعتبر العلاقة بين الإجهاد في الأمعاء والدماغ معقدة وتعد جزءًا مما يُعرف بـ”المحور الأمعائي الدماغي”. وهو نقطة اتصال بين الجهاز الهضمي والمخ.
وهذا الاتصال عبارة عن شبكة بين الأمعاء والجهاز العصبي في المخ، وتوجد الهرمونات التي تؤثر على هذا الاتصال. وهو نظام اتصال ثنائي الاتجاه بين الجهاز الهضمي والدماغ.
هذا المحور يربط بين الأمعاء والمخ، وينتج عن هذا الاتصال العديد من المشاكل. فعند حدوث إجهاد في الأمعاء، يترتب عليه مشاكل نفسية كثيرة. ويتضح ذلك في بعض النقاط:

الاتصال بين الأمعاء والدماغ:

العصب المبهم:

يعد هذا العصب أحد قنوات الاتصال الرئيسية بين الأمعاء والمخ. عندما تحدث مشاكل واضطرابات في الأمعاء، يتم إرسال الإشارات إلى المخ عن طريق هذا العصب. هذا يؤثر على الحالة المزاجية بالسلب وتزداد المشاعر السلبية لدى الفرد. وهو ما يحتاج إلى المرونة النفسية للتأقلم مع إجهاد الأمعاء.

المواد الكيميائية العصبية:

تُنتج الأمعاء الكثير من الهرمونات والمواد الكيميائية التي تؤثر على الحالة النفسية للفرد. ومن أشهر ما تنتجه الأمعاء هو هرمون السعادة، السيروتونين. يتم إنتاج حوالي 90٪ من السيروتونين في الأمعاء.

الميكروبيوم المعوي:

تحتوي الأمعاء على ملايين من البكتيريا و الميكروبات النافعة التي تساعد في عمليات الهضم، وأيضًا تساعد في ضبط الحالة النفسية. وأي خلل يؤثر على هذه البكتيريا أو على ما تنتجه من مواد مساعدة للحالة النفسية يعود بالسلب.

يرتبط الإجهاد العصبي بزيادة نفاذية جدار الأمعاء، مما قد يؤدي إلى خروج مواد ضارة إلى مجرى الدم، وهو ما يحفز الجهاز المناعي للدفاع عن الجسم وردود فعل من التهابات تؤثر على المخ.

تأثير الإجهاد العصبي على الأمعاء:

• – العلاقة متبادلة بين تأثير كل من المخ والأمعاء على بعضهما البعض. فعند تعرض الإنسان للتوتر أو القلق أو أي مشاعر سيئة، يزداد إفراز هرمون الكورتيزول، وهو هرمون يؤثر على وظائف الجهاز الهضمي ويزيد من الإجهاد في الأمعاء.
  – الإجهاد العصبي يزيد من حركة الأمعاء ويؤدي إلى اضطرابات هضمية، حيث تتأثر عضلات الأمعاء بالتوتر.
  – التسرب من الأمعاء:

يرتبط الإجهاد العصبي بزيادة نفاذية جدار الأمعاء. هذا قد يؤدي إلى خروج مواد ضارة إلى مجرى الدم. وهو ما يحفز الجهاز المناعي للدفاع عن الجسم وردود فعل من التهابات تؤثر على المخ.

تأثير إضطرابات الأمعاء على الدماغ:

كما ذكرنا، فإن أي إصابة تؤدي إلى زيادة الالتهابات وتقليل البكتيريا النافعة وما تفرزه من مواد تحافظ على صحة المخ، يزيد الاضطرابات النفسية والقلق والاكتئاب.
متلازمة القولون العصبي: تُعتبر أكثر مثال يعبر عن الارتباط بين الأمعاء والمخ. أعراض القولون تتمثل بشكل كبير في إجهاد في الأمعاء ويكون مصاحَبًا بحالات نفسية سيئة من قلق واكتئاب. وهذا المرض يتطلب الكثير من المرونة النفسية للتعامل معه.
لذلك، فإن صحة الأمعاء ترتبط بشكل كبير بالصحة النفسية والعقلية، فكلاهما له تأثير على الآخر.
لذلك، يجب الحفاظ على التغذية السليمة والعادات السليمة التي تقلل من الاضطرابات المؤثرة على الجهاز الهضمي، وكذلك الاهتمام بالجهاز الهضمي حتى لا يكون مردوده سيئًا على المخ.

هل المرونة النفسية تحسن من صحة الأمعاء؟

أظهرت الأبحاث الحديثة أن الأشخاص الذين يتمتعون بقدر كافٍ من المرونة النفسية يكون لديهم العديد من البكتيريا والكائنات النافعة داخل الأمعاء. ويرجع ذلك لوجود قدرة على التعامل بشكل سليم مع الظروف المختلفة والتوتر، والتكيف مع مختلف مواقف الحياة، كما ذكرنا العلاقة بين الأمعاء والمخ.
فعند وجود المرونة النفسية، يؤثر ذلك إيجابيًا على المناطق المختلفة من المخ التي تتحكم في العواطف والاستجابة للتغيرات النفسية المختلفة. وهو ما يؤدي إلى هدوء في اضطرابات الأمعاء.

يتساءل البعض كيف يمكن استغلال مهارة المرونة النفسية لتحسين صحة الأمعاء؟

ويحدث ذلك في خطوات بسيطة تتضح فيما يلي:
– المرونة النفسية تقلل من إفراز هرمونات التوتر والقلق مثل الكورتيزول، وقلة إفراز هذا الهرمون تؤثر بشكل مباشر في التقليل من اضطرابات الأمعاء. كما أن البكتيريا النافعة يزداد نموها عند التقليل من الاضطرابات النفسية المختلفة. نجد بعض الأطباء في حالات اضطرابات الأمعاء الشديدة يلجأون للعلاج النفسي كجزء بسيط من العلاج؛ وذلك لأن الحالة النفسية والمرونة النفسية تقلل من هذه الاضطرابات.
– كما ذكرنا، فإن البكتيريا النافعة تكثر في حالة الهدوء النفسي، وأيضًا تفرز هذه البكتيريا مواد تساعد على رفع مناعة الجسم، ويصبح الجسم أكثر قدرة على التكيف والاستجابة للضغوط.
– المناطق الدماغية المسؤولة عن التحكم العاطفي وتنظيمه، مثل القشرة الحزامية الأمامية واللوزة، تكون أكثر نشاطًا لدى الأفراد المرنين نفسيًا. هذا النشاط يساعدهم على التكيف بشكل أفضل مع التوتر والتعامل مع الضغوط دون التأثير سلبًا على صحتهم العامة، بما في ذلك صحة الأمعاء.
– تحسين نظام الحياة وممارسة الرياضة بانتظام يساعد في تخفيف التوتر وتعزيز إفراز المواد الكيميائية التي تحسن من حالة الجسم، ومنها الجهاز الهضمي والأمعاء.
– تناول الغذاء الصحي، وتناول الأطعمة الغنية بالألياف، والتغذية الصحية، والبروبيوتيك (مثل الزبادي) يساعد في تعزيز البكتيريا النافعة داخل المعدة. هذا يقلل من اضطرابات المعدة، وبالتالي الحفاظ على توازن الجسم.
– الاسترخاء وتقنيات التنفس:

يمكن لتقنيات مثل التنفس العميق والتأمل أن تقلل من مستويات التوتر وتساعد على تنظيم وظائف الجهاز الهضمي.

إن جسد الإنسان يعمل كوحدة واحدة، والتغييرات النفسية تؤثر على الصحة الجسدية، والعكس صحيح. فنجد أن المرونة النفسية لا تسهم فقط في تعزيز صحة الدماغ والنفسية، بل تمتد فوائدها إلى صحة الجهاز الهضمي والأمعاء

القدرة على إدارة العواطف والتعامل مع الضغوط بشكل إيجابي تخلق توازنًا في الجسم، مما يعزز من الصحة العامة ويحمي من تأثيرات التوتر الضارة.
لذلك، يجب علينا وضع الاهتمام بالصحة النفسية وتعلم المهارات المختلفة، مثل المرونة النفسية. ضمن خطة علاج أي مرض جسدي حتى نحصل على أفضل النتائج واستعادة توازن الجسم بشكل سليم.

المصادر: 1 2