كيف نحمي الأطفال من مخاطر الاضطرابات النفسية التي يعاني منها آباؤهم؟
تؤثر الاضطرابات النفسية التي تصيب الوالدين على قدرتهم على تقديم حياة مليئة بالحب والاهتمام لأولادهم. تختلف درجة تأثر الأطفال بالاضطرابات النفسية التي يعانيها الوالدين اعتمادًا على الكثير من العوامل التي تتعلق بشدة الاضطراب النفسي، ومدته، ودرجة توفر الرعاية والاهتمام الطبي والاجتماعي للأهل والطفل. سنتحدث في هذا المقال عن أهم النصائح لحماية الأطفال من مخاطر الاضطرابات النفسية التي يعاني منها الوالدان وأساليب الوقاية والعلاج المناسبة.
احتياجات الطفل النفسية والعاطفية
تنص اتفاقية الأمم المتحدة UN حول حقوق الطفل على أهمية تأمين بيئة عائلية يملؤها جو من السعادة، والحب، والتفهم من أجل تطور شخصية طبيعية ومتوازنة للطفل، ويجب على جميع الأمم اتخاذ إجراءات عديدة لحماية الطفل من جميع أشكال الأذيات النفسية، والجسدية، والاستغلال، وسوء المعاملة. تصنف احتياجات الطفل التي يجب على الوالدين تأمينها وفق ما يلي:
- تأمين الحاجات الرئيسية، مثل: مكان السكن، والتغذية، والنظافة، والثياب، والرعاية الطبية.
- تأمين الحماية والأمان ضد العديد من المخاطر التي يواجهها الطفل في حياته، من بينها الأشخاص الخطرين عليه.
- تقديم الاهتمام العاطفي الذي يُشعر الطفل بالتقدير غير المشروط والأمان، بالإضافة إلى خلق جو من الطمأنينة والحب والمديح.
- التشجيع على التعلم من خلال مساعدة الطفل على استكشاف العالم المحيط به، واللعب، وتوفير فرصة للتعلم والدراسة.
- توجيه الطفل وتعليمه العادات الاجتماعية المقبولة والمبادئ الأخلاقية الجيدة، عبر مراقبة سلوكياته، وتنبيهه للتصرفات الخاطئة، وتشجيعه على السلوكيات الجيدة.
- تأمين بيئة عائلية مستقرة تساعد الطفل على اكتساب الثقة بنفسه لمواجهة العالم الخارجي الواسع بقوة.
الوقاية من مخاطر الاضطرابات النفسية للوالدين في أثناء فترة الحمل
تتناول الأمهات المصابات بالاضطرابات النفسية المزمنة والناكسة أدوية طبية علاجية ووقائية، ويمكن لهذه الأدوية أن تشكل خطرًا على الجنين، ومن أهمها التشوهات العصبية التي قد تؤدي لصعوبات في التعلم وتأخر عقلي. ينصح عادة بإيقاف الأدوية المستخدمة في علاج الاضطرابات النفسية أثناء فترة الحمل، ولكن أحيانًا تكون مخاطر إيقاف الدواء على الأم الحامل أشد من مخاطره المحتملة على الجنين. وتتضمن بعض الإجراءات التي تسمح بحماية الجنين من مخاطر العلاج النفسي للأم:
- مشاركة الوالدين في مجموعات طبية توعوية مؤلفة من أطباء أخصائيين في العلاج النفسي والطبي، تقدم التثقيف الطبي حول التغيرات الجسمية والنفسية التي تحصل نتيجة الحمل، ومخاطر العلاج الدوائي على الجنين، وتجيب على أسئلة الأهل المتنوعة.
- تعليم الوالدين تقنيات الاسترخاء ومعالجة القلق والتوتر، وزيادة قدرتهم على تأمين رعاية حساسة ومتفهمة لأطفالهم الصغار، ومساعدة الوالدين على الحفاظ على هذه المهارات قوية ونشطة سواء في فترة الحمل أو بعد الولادة.
- يجب على الحوامل اللاتي يعانين من اضطرابات نفسية زيارة الطبيب بصورة دورية لتقييم حالة الجنين الصحية، وإمكانية الاستمرار في العلاج الدوائي النفسي.
- يمكن معاكسة تأثير بعض الأدوية والعلاجات باستخدام علاجات أخرى، إذ مثلًا يُعاكس تأثير الكاربامازبين المستخدم في علاج الصرع، والذي يسبب تشوهات في الأنبوب العصبي عند الجنين وصعوبات في التعلم، من خلال إعطاء المريضة الحامل أثناء فترة الحمل حمض الفوليك، أيضًا يمكن معاكسة تأثير العلاج بالتخليج الكهربائي من خلال إعطاء المريضة الأدوية المثبطة للمخاض.
- يجب على الأطباء ضبط جرعة بعض الأدوية مثل الليثيوم، ومضادات الذهان، ومضادات الاكتئاب لما تحمله من خطر التشوهات والاضطراب العصبية على الجنين.
الوقاية من مخاطر الاضطرابات النفسية بعد الولادة
تتنوع الاضطرابات النفسية التي قد تصيب الوالدين من الاكتئاب، واضطرابات القلق، والفصام، واضطراب ثنائي القطب، واضطرابات الشخصية، ويمكن أن تترافق الاضطرابات النفسية مع ضغوطات الحياة مثل المشاكل المالية والاجتماعية أو مشاكل العمل. يفاقم هذا من سوء الحالة النفسية التي يعانيها الوالدان، ويجعل من الصعب تقديم تربية سلوكية ونفسية مثالية للطفل. لذا يجب على الأطباء والمجتمع المحيط من أصدقاء وأقرباء تقديم المساعدة الباكرة للعائلات التي تعاني من الاضطرابات النفسية، من خلال الخطوات التالية:
- التشخيص المبكر للاضطرابات النفسية التي يعانيها الأهل، وتوفير الدعم المعنوي والعاطفي لكل من الأهل والطفل.
- تركيز الاهتمام نحو احتياجات الطفل بالمرتبة الأولى، من خلال الاهتمام بتعليمه، ومنحه فرصة لإبداء أفكاره ومشاعره تجاه حالة والديه، وطرح مخاوفه وأسئلته التي يفكر بها.
- توفير شخص يستطيع الطفل الاتصال به في الحالات الطارئة والحرجة.
- الانتباه إلى وجود مفاهيم خاطئة عند الطفل حول العلاج النفسي، قد يكون حصل عليها من تجارب والديه غير الناجحة، وتصحيح هذه المفاهيم بأسلوب مليء بالتفهم والدعم.
- توفير فرصة للطفل للتعرف على أطفال آخرين يعيشون حالات مشابهة، بما يسهل على الطفل تفهم حالة أقرانه، وتقديم المساعدة والحصول عليها بدوره، وزيادة فهمه واستيعابه لحالة والديه الخاصة، واكتساب الثقة بنفسه وبوالديه، وتعلم تقنيات التواصل مع الآخرين والتأقلم مع الأوضاع الصحية المتنوعة.
- إعطاء الطفل فرصة لممارسة دور إيجابي في حياة والديه، عبر منحه مساحة واسعة لطرح كافة أسئلته والتعبير عن وجهات نظره، وتقديم أجوبة مناسبة لعمره تسمح بإزالة أي خوف أو تشوش يعانيه تجاه حالة والديه.
- إعطاء الطفل مساحة هادئة بعيدة عن التقلبات العاطفية والنفسية التي يمر بها والديه، تسمح له بتطوير مشاعر وأفكار سوية خاصة به لا تتأثر بصورة سلبية بمشاعر والديه.
- توفير تعليم صحيح وواعي للطفل حول الاضطرابات النفسية، تسمح له بزيادة مرونته تجاه أوضاع الآخرين الطبية وزيادة تفهمه لهم، وتغير من المفاهيم الخاطئة التي كان قد اكتسبها من تجارب سيئة مر بها أو من المجتمع المحيط به، وتزيد من تفهمه لحالة والديه وعطفه عليهم، وتقوي من روابط تواصله مع والديه.
في كثير من الأحيان يكون المصابون بالاضطرابات النفسية أبًا أو أُمًا لطفل صغير، ولا يتناقض الاضطراب النفسي مع إمكانية تربية الأطفال الصغار ورعايتهم وتوفير جو من الحب والاهتمام لهم، إلا أن الاضطراب النفسي يجعل قدرة الوالدين على توفير الرعاية والاهتمام أكثر صعوبة وتحديًا. يجب على المجتمع المحيط بالوالدين والأطباء المتابعين لحالتهم توفير جميع وسائل الأمان، والتثقيف حتى يتمكن الوالدان من السماح للأطفال الصغار بتطوير شخصية متوازنة وسوية بغض النظر عن وضع والديهم.