هل أنا مريض نفسي؟
تتشابه بعض أعراض الأمراض النفسية وحالات القلق والتوتر التي نختبرها جميعًا في حياتنا اليومية من فترة لأخرى. تثير لدينا هذه الحالات مخاوف من احتمال أن نكون مصابين باضطراب نفسي غير مشخص بعد، لكن حتى هذه الحالات الشديدة ليست دليلًا على إصابتنا بمرض نفسي، إنما يتطور المرض النفسي عندما تتفاقم حالات التوتر هذه وتستمر لفترة طويلة نسبيًا لدرجة تؤثر فيها على نشاطاتنا اليومية، وعلاقاتنا الشخصية، ومزاجنا الاعتيادي. نتحدث في هذا المقال عن تعريف المرض النفسي، وما هي أشيع أعراضه، وعوامل الخطر، وكيفية التشخيص والعلاج.
تعريف الاضطراب النفسي
يعد المرض النفسي مصطلحًا عامًّا، يشمل مجموعة واسعة من الاضطرابات النفسية، التي تؤثر على الحالة المزاجية، والفكرية، والسلوكية لدى المريض، مثل الاكتئاب، واضطراب القلق، والفصام، واضطرابات تناول الطعام، وغيرها الكثير.
لا يصاب الشخص بالأمراض النفسية فجأة، بل يستغرق تطور هذه الأمراض والاضطرابات النفسية فترة زمينة، وغالبًا ما تسبق بحوادث شديدة أو ترتبط بتاريخ عائلي من الأمراض النفسية.
أعراض الأمراض النفسية
تختلف أعراض الأمراض النفسية اعتمادًا على نوع الاضطراب، والظروف المحيطة بالمريض، والعوامل المسببة للاضطراب. يشمل تأثير الأمراض النفسية حالة المريض العاطفية، والفكرية، والسلوكية. وتتضمن أشيع الأعراض:
- الشعور باليأس والإحباط.
- الشعور بالخوف والرهاب الشديد، أو امتلاك شعور عميق بالذنب.
- انخفاض القدرة على التركيز، وتشوش التفكير.
- تبدل شديد في المزاج بين الإحباط والكسل والسعادة والنشاط.
- الانسحاب من العلاقات الاجتماعية مع الأصدقاء والعائلة.
- الانفصال عن الواقع، والتوهمات والهلوسات.
- الإرهاق الشديد وانعدام القدرة على التأقلم مع مشكلات الحياة اليومية والتوتر.
- حدوث تغير جذري في عادات تناول الطعام.
- الشعور بالغضب الشديد، والميل السريع للعنف.
- التفكير بالانتحار أو إيذاء النفس.
تجدر الإشارة أن بعض الأمراض النفسية تؤثر أيضًا على الصحة الجسدية، إذ يمكن أن تسبب الصداع، وتشنج العضلات، وألم وتشنج الأمعاء، وألم الحرقة المعدية.
أسباب الأمراض النفسية والعوامل المؤهبة لها
تنشأ الأمراض النفسية نتيجة اجتماع وتفاعل مجموعة متنوعة من العوامل الوراثية، والبيولوجية، والشخصية، والبيئية المحيطة بالفرد.
يزداد خطر الإصابة ببعض الاضطرابات عند وجود قصة عائلية مع الأمراض النفسية. من جهة أخرى تؤثر العوامل البيئية المحيطة بالفرد من ضعف الدعم الاجتماعي، والوحدة، وعدم الأمان والاستقرار، والصدمات النفسية في زيادة ميل الفرد للإصابة بالمرض النفسي. أيضًا أثبتت الدراسات امتلاك العوامل البيئة تأثيرًا يتعدى الفرد الذي تعرض لها ويصل إلى مورثاته، لتسبب تغيرات فيها تنتقل إلى الأبناء، وتزيد بدورها خطر الإصابة بالأمراض النفسية، مثل اضطراب الكرب التالي للصدمة.
من جانب آخر تزيد الحوادث الشخصية العنيفة والمؤذية النفسية التي يتعرض لها الفرد سواء في صغره أو كبره، مثل العنف الأسري، والإهمال، والهجر، والفشل العاطفي، والمهني من خطر الإصابة ببعض الأمراض النفسية مثل الاكتئاب، والقلق. تسبب هذه الحوادث تغيرات في البيئة الكيميائية البيولوجية للدماغ، عبر تغيير نوع وكمية النواقل العصبية العاملة في الدماغ والمسؤولة عن المزاج، والوعي، والتفكير.
تأثيرات الأمراض والاضطرابات النفسية
تعد الأمراض النفسية السبب الأول في العالم للإعاقة الجسدية والنفسية عند الفرد، والتي تحد من قدرة الشخص على القيام بنشاطاته الاعتيادية والوظيفية. تلقي الأمراض النفسية بثقلها على المريض وتسبب له الكثير من الآثار السلبية، بالإضافة إلى أفراد العائلة والأصدقاء والمجتمع، وتتضمن أهم هذه الآثار:
- اليأس وفقدان المتعة والسعادة في الحياة.
- المشاكل العائلية والخلافات الاجتماعية.
- الوحدة والانعزال المجتمعي.
- الانقطاع عن العمل والدراسة، والفشل المهني.
- المشكلات المالية الاقتصادية،
- الفقر والتشرد.
- العنف وإيذاء الذات أو الآخرين المحيطين بالمريض.
- ضعف جهاز المناعة، وزيادة خطر الإصابة بالعدوى والسرطان.
- الإصابة بالأمراض الجسدية القلبية الوعائية.
تشخيص الأمراض النفسية
في الحقيقة، لا يوجد اختبار واحد بسيط يشخص الأمراض النفسية، أو يميز بينها. غالبًا ما تبدأ الأمراض النفسية بتغيرات بسيطة في سلوك وعاطفة وتفكير الشخص المريض، يلاحظها أفراد العائلة والأصدقاء والعمل، مع هذا، لا يعني أبدًا وجود واحد أو اثنين من الأعراض المذكورة سابقًا، إصابتك بمرض نفسية. ويبقى الشخص الوحيد القادر على نفي أو تشخيص الأمراض النفسية هو الطبيب النفسي وحده وليس أي فرد آخر قد يلاحظ تغيرات في السلوك، أو العاطفة لديك.
يدفع شعور العار والخجل المرتبط بالأمراض النفسية العديد من الأشخاص إلى تجنب طلب المساعدة عند ملاحظتهم تغيرات في حياتهم الاعتيادية. لا يجب لهذا الأمر أن يمنعك من طلب المساعدة، فلا يوجد أي عيب في الأمراض النفسية. إنما في الحقيقة، يساعد التشخيص المبكر والتدبير السريع في منع تفاقم المرض النفسي، وتجنبك إيقاع الأذية سواء على ذاتك أو المحيطين بك.
سيقوم الطبيب النفسي عند لقائك بطرح مجموعة متنوعة من الأسئلة الشخصية عليك ليتعرف بك بصورة أفضل ويقيم خطر إصابتك بالأمراض النفسية. يمكن أن يقوم أيضًا بإجراء فحص جسدي ليبحث عن أي علامات أذية قد تعرضت لها، أو تسببت بها لنفسك. في النهاية، قد يعرض عليك الطبيب إجراء اختبار تقييم نفسي، يحتوي على مجموعة من الأسئلة، التي تساعد على إيضاح الأعراض التي تختبرها، وتحديد التشخيص بصورة أدق.
علاج الأمراض النفسية
يتميز علاج الأمراض النفسية بمشاركة فعالة وحثيثة للمريض وحتى عائلته والأفراد المقربين منه مع الطبيب. يستخدم العلاج الدوائي في تدبير أعراض المرض النفسي، ويوجد أنواع عديدة من الأدوية، تحتاج جميعها إلى وصفة طبية من الطبيب النفسي، وتؤخذ بجرعات معينة، ووفق برنامج خاص يعطيه الطبيب، لكن لا يكفي العلاج الدوائي لوحده، إنما يجب أن يشارك المريض في العلاج النفسي في عيادة الطبيب، حيث يتعلم من الطبيب معلومات أكثر عن الحالة التي يعانيها، ويفهم خصوصية الوضع الذي يمر به، وما هي العوامل المؤثرة والمساعدة، وكيف يجب عليه أن يتصرف حتى يحسن من صحته النفسية والجسدية.
أيضًا يعد الدعم العائلي والاجتماعي الذي يقدم للمريض مهمًا بقدر أهمية التزام المريض بالعلاج، لما تتمتع به البيئة المحيطة بالمريض من تأثير عميق في تطور الأمراض النفسية والشفاء منها. لذا من المهم تثقيف الأفراد المقربين من المريض حول الحالة الخاصة التي يمر بها، وكيف يجب التعامل معها، وماذا يمكن أن يقوموا به حتى يحسنوا ويسرّعوا الشفاء لديه.لا يوجد أي عار في الأمراض النفسية، مثلما لا يوجد أي عار في الأمراض الجسدية. تصيب الأمراض النفسية الكثير من الأشخاص حول العالم، ويشفى الكثير منهم طوال الوقت. عند الشك بإصابتك بمرض نفسي، استشر طبيبًا نفسيًا، واطلب المساعدة ولا تتردد. يمكنك أيضًا معرفة وتعلم المزيد عن الصحة النفسية وكيفية تعزيزها من موقع وتطبيق لبيه إذ يوفر الموقع برامج علاجية متنوعة لمختلف الاضطرابات النفسية، بالإضافة لإمكانية إجراء استشارات نفسية من قبل نخبة من الكوادر المؤهلة لعلاج الاضطرابات النفسية.