أخطاء شائعة عند التعامل مع مرضى فرط الحركة وتشتت الانتباه
يُعد اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه من أكثر اضطرابات النمو العصبي شيوعًا في مرحلة الطفولة، وهو يشخص عادةً لأول مرة في هذه المرحلة، وكما يتبين من اسم الاضطراب يواجه الأطفال المصابون به صعوبةً بالانتباه والتحكم باندفاعاتهم فيتصرفون دون التفكير بنتائج أفعالهم وكذلك قد يكونون مفرطي النشاط.
تمكنا مؤخرًا من فهم اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه بشكلٍ أفضل جراء دراسات تصوير الدماغ والأبحاث الأخرى، ولكن لا تزال هناك العديد من الأخطاء الشائعة التي تسبب الارتباك وتجعل الأشخاص المشخصين لا سيما الأطفال لا يحصلون على الدعم الذي يحتاجونه في المدرسة والعمل والمجتمع.
هل اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه اضطراب حقيقي؟
لعلّ فكرة أن الاضطراب غير حقيقي هي واحدة من أكثر الأفكار التي تسيء إلى الأشخاص المصابين، الجدير بالذكر أن المنظمات الطبية والنفسية والتعليمية الكبرى جميعها تعترف باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه بما فيها معاهد الصحة الوطنية الأمريكية، ودور التعليم العالي في أنحاء العالم، بالإضافة إلى الجمعية الأمريكية للطب النفسي والتي تعترف به كاضطراب طبي في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (المعروف بأنه مصدر تشخيصي يستخدمه الأطباء والمختصون لمعظم الاضطرابات النفسية).
علاوةٌ على ذلك هناك أساس بيولوجي ووراثي للاضطراب، فهو يميل للانتشار في العائلات مما يشير إلى دور الوراثة، وتبين أيضًا من خلال الدراسات أن بعض أجزاء الدماغ عند المصابين الأطفال أصغر قليلًا و/أو تستغرق وقتًا أطول حتى تنمو، ومن الضروري توضيح أن هذا لا ينفي أنهم أذكياء بل فقط هم بحاجة وقتٍ أطول لتمام نمو أدمغتهم لتصبح بحجم أدمغة أقرانهم غير المصابين، وعادةً ما يحدث ذلك عند سن الرشد، ويجب التوضيح أن هذا لا يعني أن اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه سوف يختفي بعد سن المراهقة بل فقط الأعراض ستتغير. أما بالنسبة لأجزاء الدماغ المتأثرة فهي تشمل تلك المسؤولة عن الوظائف التنفيذية التي يمكن تعريفها بشكلٍ آخر على أنها نظام الإدارة الذاتية التي يمتلكها كل فرد لضبط وتنظيم حياته وتتكون من العمليات المعرفية التالية:
- الذاكرة العملية: هي نوع من الذاكرة قصيرة المدى التي تخزن المعلومات مؤقتًا أثناء القيام بالمهارات المعرفية، على سبيل المثال: الاتصال برقم ذكر أمام الفرد، أو حساب سعر السلع ذهنيًا.
- التحكم الانتباهي أو الانتباه داخلي المنشأ: وهو قدرة الفرد على اختيار ما ينتبه إليه وما يتجاهله.
- التثبيط المعرفي: يشير إلى قدرة العقل على ضبط المحفزات والمشتتات التي لا علاقة لها بالمهمة العملية الموجودة في متناول يد الفرد أو بالحالة الذهنية في لحظة عمله، ويمكن القيام بالتثبيط المعرفي إما بشكلٍ كاملٍ أو جزئيًا وبوعي أو من دونه.
- التحكم التثبيطي أو تثبيط الاستجابة: يتضمن التحكم في الدوافع التلقائية مثل: الانتباه والسلوك والأفكار والمشاعر من خلال إيقافهم مؤقتًا، ثم التفكير منطقيًا للاستجابة بالشكل الأنسب، بالمختصر تتعلق هذه العملية المعرفية بالتفكير قبل القيام بأمورٍ متهورة.
- المرونة الإدراكية أو المعرفية: تكيّف الفكر والسلوك استجابةً لتغيرات البيئة المحيطة.
أهم الأخطاء الشائعة عن اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه
بدأت معظم المعلومات المغلوطة عن اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه منذ المدة التي عُرّف فيها والتأثير السلبي لها ضار للغاية، ولا يزال هناك الكثير من الناس لليوم يصدقون تلك المعتقدات ويروجون لها على الرغم من الأبحاث الرائدة والنتائج التي توصل إليها العلماء، وبذلك يستمر سوء الفهم والوصمة التي تحيط بالاضطراب. إليك قائمة بأهم الأخطاء الشائعة عن اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه والتصحيح الخاص بها:
ينتج اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه عن التربية السيئة
كما بيّنا أعلاه، الاضطراب ناتج عن اختلافات بيولوجية في الدماغ، وعمومًا سرعان ما يطلق الناس أحكامهم على الأطفال المصابين وخاصةً عندما يرونهم مندفعين ولا يصغون إلى كلام الآخرين فيوجهون أصابع الاتهام نحو الأهل ويتهمونهم بسوء التربية وعدم تعليم أطفالهم الانضباط؛ ببساطة هؤلاء الأطفال غير قادرين على التحكم بدوافعهم. ما يزيد الأمر سوءًا هو أن التربية الصارمة التي تتضمن معاقبة الطفل على الأشياء التي لا يتحكم بها ستجعل أعراض الاضطراب أسوأ، وعوضًا عن ذلك يجب الاستعانة بالعلاج الدوائي والنفسي وطلب مشورة المختصين.
يتعافى المصاب عند التقدم بالعمر
لا يتجاوز معظم الأطفال اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، وذلك على الرغم من أن بعض الأعراض يمكن أن تقل أو تختفي مع التقدم في السن، وحتى من الوارد أن يتعلموا كيف يديرونها ويتأقلمون معها. علاوةٌ على ذلك تشير التقديرات إلى أن 6% من الأشخاص البالغين يعانون من الاضطراب دون درايتهم لعدم حصولهم على التشخيص، ونتيجة ذلك يصبحون معرضين لاضطرابات المزاج والتوتر والتعاطي، بالإضافة إلى صعوبات مهنية ومشاكل قانونية ومالية وعلاقات مضطربة.
يصيب الاضطراب الأولاد فقط
يُشخص الأولاد أكثر من الفتيات بمقدار الضعفين تقريبًا غالبًا نتيجة اختلاف الأعراض بين الجنسين، إذ يستصعب الأولاد ضبط أنفسهم ويميلون لأن يكونوا مفرطي النشاط أكثر، فيتصرفون بطرق يصعب على المعلمين تجاهلها في المدارس. أما الفتيات فهن قادرات على التكيف بالمدراس بشكلٍ أفضل نتيجة لضبط أنفسهن بكفاءة أكبر، لكنهن عرضة لأن يكن أكثر ثرثرة، فيرى المعلمون ذلك الأمر على أنه سلوك نابع عن عدم النضج وليس اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، كما تتصف الفتيات مفرطات النشاط بأنهن عاطفيات أو حساسات وعلى أنهن أكثر تشتيتًا.
لا يستطيع المصابون التركيز نهائيًا
عمومًا يواجه المصابون صعوبة في التركيز، ولكن إذا كانوا مهتمين بشيء ما سوف يركزون عليه بشكلٍ مكثف، يُسمى هذا النوع من التركيز باسم فرط التركيز Hyperfocus. تعود مشاكل التركيز لعدم انتظام الانتباه عند المصابين وليس غيابه التام، ولهذا السبب نرى الكثير من الأطفال الذين يلعبون ألعاب الفيديو لساعات متواصلة أو شخص في عمله يواجه صعوبة بالتركيز على الأشغال التي يجدها مملة، لكنه بنفس الوقت يعطي كامل اهتمامه وانتباهه للجوانب التي يحبها.
من الضروري الحد من الوصمة التي تحيط باضطراب فرط النشاط وتشتت الانتباه، خاصةً نتيجة التأثير السلبي الذي سيزيد من صعوبة حياة الأطفال المصابين، طبعًا من الضروري أيضًا الاستعانة بالمختصين الموجودين على منصة لبيه سواء كنت تواجه هذا الاضطراب أو تعرف أحدًا تودّ مساعدته.