الطفولة هي تجربة إيجابية للأطفال وذويهم تبدأ بالإصغاء بأذن واعية وعقل متفهم وقلب عطوف. سيتعلم الطفل كيف يلجأ إليك بكلّ شيء يحدث معه في حياته فأنت مصدر الأمان والدعم بالنسبة له؛ لذلك من المهم أن تكون قادرًا على الاستماع لطفلك وأن تفهم لماذا قد يقول لك في بعض الأحيان: أكرهك.
الشيء المهم هنا والجوهري أيضًا ألا تأخذ الأمر على نحوٍ شخصي، فالطفل قد يمر بمرحلة يكره فيها أحد الوالدين أو كليهما لكن هذا لا يعني أنه لا يحبهما، في الواقع قد يعني العكس.
ما الفرق بين السلوكيات غير المرغوبة واضطراب السلوك؟
دعونا قبل أن نبدأ في البحث عن أسباب السلوكيات التي تُظهر أن طفلك يكن مشاعر سلبية تجاهك أن نميز بين اضطراب السلوك وبين السلوكيات غير المرغوبة؛ فاضطراب السلوك (Conduct Disorder) يعني النمط المتكرر من السلوك الذي يتميز بمشاعر عاطفية وسلوكية يتصرف الأطفال المصابون به بطرق غاضبة وعدوانية ومثيرة للجدل والتشويش، وعادة ما يؤثر على 3% من الأطفال في سن المدرسة، ومعدل انتشاره عند الذكور ضعف معدل انتشاره عند الإناث.
أما سوء التصرف الذي يُظهره الطفل في بعض الأوقات، والذي يُترجم بسلوكيات لا تُعجبنا، وقد نعتبرها كارثية أيضًا، قد يكون أمرًا طبيعيًا ومن ضمن الخصائص النمائية للأطفال على حسب المرحلة العمرية التي يمرون بها، وبالاستناد إلى ذلك سيكون الحل أبسط مما تتوقع، وهذا ما سنناقشه معًا.
أسباب السلوكيات التي قد توحي أن طفلك يكرهك، وماذا يمكننا أن نفعل
هناك أسباب عديدة لسوء التصرف لدى الأطفال وفهم تلك الأسباب يعد نصف الطريق باتجاه الحل، وقد ذكرت a study (Slatcher, Trentacosta, 2013) أن المشاعر السلبية لها دور كبير في ظهور سلوكيات غير مرغوبة عند الأطفال تجاه الوالدين، وهذه المشاعر السلبية ستظهر بصورة سلوكيات توحي بأن الطفل يحمل مشاعر الكره تجاه أحد الوالدين أو كليهما، وهناك بعض الأسباب وراء السلوكيات التي تدل أن طفلك يكرهك، من ضمنها، ما يلي:
- قلة التواصل
هل سبق وأن كنت مشغولًا بهاتفك النقال أو عملك بينما يحاول طفلك أن يخبرك بشيء ما؟ قد يتكرر هذا الموقف كثيرًا دون إدراك أن هذا سيؤدي إلى غياب التواصل الفعال مع الطفل، ومع مرور الوقت، قد يبتعد الطفل ويبدأ بتشكيل مشاعر الغضب وحتى الكره، والحل الأمثل لذلك، هو تخصيص الوقت الكافي للتواصل والإصغاء الفعال للطفل، وليس فقط تمضية سريعة للوقت معهم؛ فمن خلال هذا الاتصال والتواصل سيتم بناء الثقة التي تمكّن الطفل من التعبير عن مشاعره بلا خوف ولا خجل.
- التمييز
من المؤكد أنك على يقين بأنك تُكِنّ المحبة ذاتها لجميع أطفالك ولا تفضل أي منهم على الآخر، لكن هل يعرف ويدرك طفلك ذلك؟ قد نقول لأحد الأطفال: لماذا لا تتصرف مثل أخيك؟ أو انظر كيف ترتب أختك سريرها. تلك أحاديث يومية بسيطة قد تخلق شعورًا بالنقص أو الغيرة لدى الطفل، وكذلك قد تساعد على خلق مشاعر الكره للوالدين أو الأخوة؛ فالحل الأمثل هنا هو تقبل الطفل كما هو وعدم مقارنته مع أحد مهما كانت النوايا حسنة، بل من واجبنا أن نساعده على تقدير وتثمين اختلافه عن الآخرين.
- التوقعات المثالية
جميلة تلك الحياة المثالية الخالية من المشاكل والمنغصات، وفيها يسود الأسرة الحب والتفاهم، ولعلها الهدف المشترك للجميع، ولا ضير في ذلك لكن علينا أن نتقبل أن الحياة ليست كذلك دائمًا. هذه التوقعات غير الواقعية قد تُرهق الأطفال وتجعلهم غير قادرين على الوفاء بكل ما هو مُتوقع منهم، مما قد يولّد لديهم المشاعر السلبية تجاه الوالدين، وهنا عليك أن تدرب نفسك على تقبل فكرة أن كلّ شخص فريد وله قدرات وإمكانات نوعية مختلفة.
- القواعد الصارمة
ستبدأ حلقة الشجار اليومية عندما يرمي طفلك ملابسه على الأرض بالرغم من تنبيهاتك المتكررة له، وتبدأ أنت بالصراخ لينتهي الأمر بأن يقول لك طفلك: أكرهك. بالتأكيد من الضروي أن يتعلم الطفل النظام والضوابط، لكن بدلًا من أن نقول: لا ترمي ملابسك على الأرض، يمكننا القول: الملابس الجميلة مكانها في خزانة الملابس. إنها قوة الكلمات التي قد تبدو لك غاية في البساطة ولكن بقليل من التأمل نجد أن لها قوة غير مرئية، فالحل هنا هو أن نتشارك مع الطفل في وضع القواعد التي لا بد لها من أن تكون مرنة.
- قلة الاحترام
جميعنا اختبرنا مرارة الشعور بالضيق وجلسنا لساعات نفكر بسبب موقف أو كلمة قيلت لنا تنمّ عن قلة الاحترام. الأطفال لديهم ذات الحساسية وإحدى أهم الاحتياجات هي أن يشعر الطفل بكيانه وقيمته واحترامه لكي يكون قادرًا على احترام من حوله، والحل هنا أن نقوم بتوجيه النقد للسلوك غير المرغوب وليس لشخص الطفل، وبذلك تُبنى ثقة الطفل بنفسه وبمن حوله.
- عدم القدرة على فهم الطفل
“إنني أقوم بكل ما بوسعي في سبيل طفلي وفي نهاية المطاف، وعند أول خلاف يقول لي: أكرهك، ماذا أفعل؟”. تقول الدراسة أن لا بأس في ذلك، وأنت لست وحدك الذي يواجه هذه المشكلة؛ إذ أن فهم مشاعر الطفل وأفكاره ورؤية المشكلة من وجهة نظره أمر بالغ الأهمية هنا، بالإضافة إلى عدم أخذ الأمر بشكل شخصي.
في بعض الأحيان من الضروري أن نرى العالم بعيون أطفالنا؛ لكي نتمكّن من فهمهم وتجنب نوبات الغضب وفقدان السيطرة؛ لأن ذلك سيقود حتمًا إلى عكس ما هو مرغوب. تؤكد الدراسة هنا أيضًا على أهمية تجنب الجدال مع الطفل، وتجاهل تلك الملاحظات السلبية التي يذكرها الطفل والاستمرار بتقديم الحب غير المشروط والدعم له.
- الضغط لتحقيق النجاح
إن لم تستطع تحقيق حلمك، لا تغرسه في نفس طفلك، فهو أيضًا من حقه أن يحلم. قد يذهب طفلك إلى المدرسة وهو في حالة من الرعب خوفًا من عدم تحقيق ما تريده، وإجبار طفلك على تعلم العزف على آلة لا يحبها لن يجعله سعيدًا كما تعتقد، في هذه الحالة ستتطور لديه شخصية مترددة وغير واثقة مع مشاعر النقص وعدم الكفاية، وهنا الحل الأنجع هو التقبل والدفء والحب غير المشروط للطفل، فتلك ركائز أساسية لبناء علاقة متينة بين الأهل والطفل.
التعامل مع المشاعر السلبية للأطفال
رؤية الطفل حاملًا للمشاعر السلبية تجاهك بالتأكيد، هو أمر غير محبذ، ولكنه أمر طبيعي، وقد يواجه الجميع دون استثناء؛ فمن اللحظة التي يولد فيها الطفل، يحتاج أن يتنفس بمفرده ويعبر عن حاجاته وضيقه، فهو حق طبيعي له، وجزء من مهمتنا كآباء هو مساعدتهم على مواجهة هذه المشاعر بحيث يتعلموا أن يعتنوا بأنفسهم. هناك عدد لا نهائي من الطرق التي نستطيع من خلالها مساعدة الأطفال على التعامل مع جميع أنماط المشاعر ومنها:
- طمأنة الطفل بأن له الحق في التعبير عن مشاعره كافة، وأن هناك من يسمعه ويفهمه دون الحكم عليه.
- عندما يعبر الطفل عن مشاعره تجاهنا علينا أن نقرأ هذه الإشارات؛ لكي نتدارك الثغرات التي كانت السبب في ذلك الشعور ونتحاور مع الطفل حولها.
- تحدّث مع الطفل حول تجاربك الخاصة في التغلب على المشاعر السلبية وشجعه على مناقشة ذلك معك.
وفي ختام الحديث تذكر إحدى الدراسات (Smith, 2010) العديد من النصائح التي من شأنها أن تساهم في بناء علاقة ثقة بين الآباء والأطفال ومنها خمس نصائح لعلاقة متينة بينك وبين طفلك:
- أظهر الحب غير المشروط بكل الطرق.
- افهم مشاعر الطفل ولا تستخف بها أو تنكرها.
- الحوار والإصغاء الفعال من أعمدة التربية الصحيحة.
- الطريقة التي تستجيب بها للمشاكل هي ذاتها التي سيتعلمها طفلك عندما يقع في مشكلة، فكن قدوة.
- اكتشف حياة جديدة مع طفلك وكن مستعدًا لأن تربية الطفل تبدأ قبل ولادته.
إن رعاية الأطفال الحقيقية ليست بكونها مثالية، بل بكونها حاضرة ومستمرة دائمًا، كما أن الصبر هو المفتاح، وستجني ثماره في نهاية المطاف؛ لأن تربية الأبناء هي عملية مستمرة وفي تطور دائم، فالسُبل التي كانت ناجحة بالأمس لم تعد كذلك اليوم، وما هو جيد اليوم قد لا يكون كذلك في المستقبل.
لا داعي للخوف من ارتكاب بعض الأخطاء لأن الجميع قد يرتكب بعض الهفوات، والنقطة الأهم هنا هي الرغبة في التطور والتعلم من أجل تأمين الرفاه والسعادة للأبناء.
إذا كنت تشعر بأنك مازلت بحاجة لمزيد من الأفكار والطرق للتعامل مع المشاعر السلبية لدى طفلك يمكنك التواصل مع تطبيق لبيه لمساعدتك.
المراجع
1- Richard B. Slatcher, et al. “Influences of Parent and Child Negative Emotionality on Young Children’s Everyday Behaviors”, APA PsycArticles, Emotion. 2012 Oct; 12(5): 932–942, Published online 2012 Mar 5. doi 10.1037/a0027148.
2- Marjorie Smith. “Good parenting: Making a difference”, Early Human Development Journal, Volume 86, Issue 11, November 2010, Pages 689-693. Doi https://doi.org/10.1016/j.earlhumdev.2010.08.011.
3- PARENT/CHILD COMMUNICATION, parenting-ed.org, retrieved on 1/6/2023.
4- Why Does My Child Hate Me? Discover The Reasons And 5 Simple Solutions!, bestcaseparenting.com, retrieved on 1/6/2023.
5- What Is Conduct Disorder? www.verywellmind.com, retrieved on 2/6/2023.
6- Why Do Kids Hate Their Parents? Exploring The Causes And Effects Of Parent-Child Conflict, www.redlasso.com, retrieved on 1/6/2023.7- Negative Feelings, Essential Signals on the Road of Life: Supporting our Children on their Path, www.psychalive.org, retrieved on 1/6/2023.