مع نمو طفلك وبلوغه سن المدرسة، تصبح الحياة أكثر تعقيدًا، فمن التعرف على أصدقاء جدد كل يوم، وأداء الواجبات المدرسية، إلى ممارسة نشاطاته اليومية دون مساعدة، يخلق هذا النمو المتسارع بشكل طبيعي مواقف مرهقة لكل طفل. يمكن أن تكون اليقظة الذهنية الحل الأمثل لتخفيف القلق وزيادة السعادة، وجعل حياة طفلك أفضل خلال كل مرحلة من مراحل نموه.
كيف تتأثر الصحة النفسية للأطفال؟
هناك العديد من الأسباب التي تؤدي لشعور الأطفال بالتوتر والقلق، وتشمل الضغوط الدراسية والأكاديمية، بالإضافة لمشاكل الصداقات والعلاقة مع الزملاء وحتى التعرض للتنمر في المدرسة، وقد تساهم الظروف البيئية -مثل تغيرات الطقس- في التوتر الذي يعاني منه الأطفال.
أظهرت نتائج Search أجريت بمركز (Pew) للأبحاث عام 2019، أن ما يقارب 61% من المراهقين يشعرون بالضغط النفسي للحصول على درجات جيدة في المدرسة، كما يشعر 29% منهم بالكثير من الضغط للظهور بطريقة معينة تتناسب مع وضعهم الاجتماعي، لذلك قد يكون التعامل مع الحياة اليومية مرهقًا ومربكًا للأطفال والمراهقين.
أصبح الحفاظ على الصحة النفسية للأطفال مصدر قلق كبير لكل من الأهل والمعلمين، بالنظر إلى هذه الضغوط التي يعانون منها، وتزايد معدلات الاكتئاب والقلق والاضطرابات النفسية الأخرى؛ لذا يتجه المزيد من الناس إلى اليقظة الذهنية، كوسيلة لمساعدة الأطفال والمراهقين للتعامل مع التوتر والمشاعر السلبية في حياتهم.
ما هي اليقظة الذهنية؟
يمكن تعريف اليقظة الذهنية على أنها زيادة التركيز حول شيء معين، وعدم التفكير بأي شيء آخر في تلك اللحظة، حتى لو كان التمرين يعني مجرد التركيز على أنفاسك.
يمكن اعتبار اليقظة الذهنية أداةً مفيدة لتخفيف القلق وتعزيز السعادة، وهي تقنية بسيطة تنطوي على الاهتمام باللحظة الحالية بطريقة سهلة وغير مرهقة. تم اعتماد اليقظة الذهنية كممارسة صحية شائعة في العقود الأخيرة، وتعليمها لمديري الشركات، والرياضيين، وبشكل متزايد للأطفال في المنزل والمدرسة، فعندما يمارس الطفل تمارين اليقظة الذهنية، يجب عليه التمهل وأخذ الوقت الكافي للتركيز على شيء محدد بطريقة مريحة وخالية من التوتر، يتضمن تأمل اليقظة الذهنية عادةً مزيجًا من تمارين التنفس والتصور والوعي بالجسم والاسترخاء.
كيف تساعد اليقظة الذهنية الأطفال والمراهقين؟
تساعد ممارسة تمارين اليقظة الأطفال والمراهقين على التعامل مع الإحباط عند مواجهة موقف صعب في حياتهم، كما يمكن الاستعانة بها عند الحاجة إلى تركيز الانتباه على شيء محدد دون السماح بتشتت الذهن.
تعتبر الطفولة والمراهقة أهم مراحل نمو الإنسان، وبالتالي يؤسس كل ما يحدث خلال هذه المراحل لصحته النفسية في المستقبل؛ لذا ينصح بزيادة عدد الأطفال والمراهقين الذين يمارسون اليقظة الذهنية، للحصول على حياة أفضل.
تظهر a study (Weijer-Bergsma, 2012)، فعالية ممارسة اليقظة الذهنية في تحسين القدرة على الانتباه لدى الجميع، بما في ذلك الأطفال الذين غالبًا ما يواجهون صعوبات في التركيز، وخاصةً المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه.
كما تساعد اليقظة الذهنية الأطفال على التزام الهدوء تحت الضغط، وتجنب سرعة الانفعال والتحلي بالصبر، والتعامل بشكل أفضل مع الآخرين، وقد تؤثر أيضًا على قابلية التعلم والاستماع بشكل أفضل، وتساهم ممارسة الطفل لتمارين اليقظة الذهنية في تعلم كيفية التعامل مع التوتر، والسيطرة على المشاعر، والتركيز على المهام المطروحة، وبناء نظرة إيجابية للحياة من أجل الشعور بالسعادة.
يتكون لدى هؤلاء الأطفال والمراهقين فهم أفضل لكيفية عمل أجسامهم، بالإضافة للإحساس بالفضول حول سبب شعورهم بالطريقة التي يشعرون بها، ما يؤدي إلى فهم شخصياتهم بشكل أعمق.
تشير الأبحاث إلى حصول الأطفال على مجموعة من الفوائد المعرفية والعاطفية والاجتماعية، عند استخدام تمارين اليقظة الذهنية في المدارس:
1- الفوائد المعرفية
أظهرت الأبحاث أن تعليم الأطفال اليقظة الذهنية يمكن أن يؤثر على مهاراتهم المعرفية، وقدرتهم على تحويل أفكارهم إلى أفعال، حيث أشارت a study (Suarez-Garcia, 2020)، التي أجريت على مجموعة من طلاب الصف الثالث، ممن مارسوا اليقظة الذهنية خلال برنامج تنفذه المدرسة على مدى ثمانية أسابيع، إلى تحسن الأطفال المشاركين في تنظيم سلوكهم، والتركيز على المهام المطلوبة بالمقارنة مع بقية الطلاب.
كما بينت a study أخرى (Parker, 2014)، حصول الطلاب المشاركين في برنامج اليقظة الذهنية لمدة أربعة أسابيع على درجات أفضل في الأنشطة التي تعتمد على الانتباه، مقارنة بالطلاب الآخرين في مدرستهم الابتدائية، بالإضافة إلى التحسن في المجالات التي تتنبأ بالنجاح الأكاديمي في المستقبل.
2- الفوائد العاطفية
تعتبر الصحة العاطفية أو الشعور الإيجابي بالرفاهية، عنصرًا مهمًا في حياة كل طفل، حيث يمكن أن تساعد في التخلص من القلق والتوتر والاكتئاب وتحسين احترام الذات والتفاعل مع المجتمع. تساهم مشاركة الأطفال في أنشطة اليقظة الذهنية في تعزيز شعورهم بالرفاهية، بالإضافة للتحكم بالتوتر بالشكل الأمثل، وعلى سبيل المثال: وجدت a study (Schonert-Reichel, 2010)، أن الأطفال الذين شاركوا في برنامج اليقظة الذهنية والحد من التوتر لمدة خمسة أسابيع شعروا بالتفاؤل بشكل أكبر، وقد لاحظ الأطفال في سن ما قبل المراهقة شعورهم بالهدوء، وحصولهم على نوم أفضل، وتعزيز شعورهم بالرفاهية والسعادة.
3- الفوائد الاجتماعية
يمكن أن تؤدي صعوبة التفاعل والتواصل مع الآخرين إلى مشاكل في التعلم والفهم والتحصيل الدراسي، حيث قام الباحثون في a study (Felver, 2014)، بإجراء برنامج اليقظة الذهنية لمدة خمسة أسابيع في مدرسة ابتدائية. أظهرت النتائج مشاركة الطلاب بشكل أفضل في نشاطات الفصول الدراسية، وقد ساعد تطبيق اليقظة الذهنية أيضًا في مدرسة ثانوية على تعزيز الاحترام المتبادل بين الطلاب وتحسين الجو العام للمدرسة.
4- فوائد أخرى متنوعة
تزيد اليقظة الذهنية من قدرة الطفل أو المراهق على تنظيم المشاعر والشعور بالرحمة والتعاطف، كما يمكن اعتبارها على نطاق واسع علاجًا فعالًا للأشخاص من جميع الأعمار، الذين يتعاملون مع الانفعال الزائد أو اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه أو العديد من الاضطرابات النفسية الأخرى مثل القلق، ويمكن استخدامها أيضًا للتخفيف من الآثار السيئة للتنمر، وبالتالي يكمن دور اليقظة الذهنية في جعل الأطفال والمراهقين يفكرون في أفكارهم وأفعالهم، ويتعلمون كيفية اتخاذ خيارات أفضل والاستجابة للمواقف المختلفة بطرق مدروسة وهادفة.
كيف يمكنك مساعدة طفلك عبر اليقظة الذهنية؟
تفيد هذه النصائح في استخدام اليقظة الذهنية بشكل أكثر فعالية:
- تذكر أن الهدف من اليقظة هو تقليل التوتر وتعزيز الشعور الإيجابي، وبالتالي تجنب استخدامها كأداة تأديبية.
- خصص وقتًا يوميًا لممارسة نشاطات اليقظة الذهنية، لأنها مهارة تستغرق بعض الوقت لتطويرها.
- اعرض على أطفالك ممارسة اليقظة باستمرار، لكي تعلمهم كيفية دمجها في حياتهم اليومية، حتى عندما يصبحوا بالغين.
- حدد الوقت المناسب لممارسة اليقظة الذهنية، وتجنب التخطيط للنشاطات أثناء العطلة عندما يرغب الأطفال في الجري واللعب، اختر وقتًا هادئًا من اليوم، دون وجود المشتتات في المرات الأولى التي تتدرب فيها.
- شارك طفلك بعض الأمثلة على كيفية إعادة توجيه أفكارك وشجعه على مشاركة تجاربه وأفكاره معك، ومن خلال هذه المناقشة، يمكنه التعلم منك والحصول على الدعم.
ننصح بممارسة اليقظة الذهنية كل يوم حتى تصبح جزءًا من حياة طفلك، والتركيز على ما يطمح إليه مباشرة، وعدم السماح له بالانسياق إلى أحداث الماضي أو القلق بشأن ما قد يحدث بالمستقبل، عندما يتعلم طفلك القيام بذلك بشكل منتظم، سوف يملك نظرة أكثر إيجابية عن الحياة، ويتخلص من التوتر والضغط النفسي.
يمكنك التواصل مع معالجك النفسي عبر تطبيق لبيه لتعلم ممارسة اليقظة الذهنية والاستفادة من إيجابياتها وفوائدها في تعزيز الصحة النفسية والعاطفية لطفلك.
الدراسات
van de Weijer-Bergsma, E., Formsma, A.R., de Bruin, E.I. et al. “The Effectiveness of Mindfulness Training on Behavioral Problems and Attentional Functioning in Adolescents with ADHD.” J Child Fam Stud 21, 775–787 (2012). https://doi.org/10.1007/s10826-011-9531-7
Suárez-García Z, Álvarez-García D, García-Redondo P, Rodríguez C. “The Effect of a Mindfulness-Based Intervention on Attention, Self-Control, and Aggressiveness in Primary School Pupils”. International Journal of Environmental Research and Public Health. 2020; 17(7):2447. https://doi.org/10.3390/ijerph17072447
Alison E. Parker, Janis B. Kupersmidt, Erin T. Mathis, Tracy M. Scull & Calvin Sims (2014) “The impact of mindfulness education on elementary school students: evaluation of the Master Mind program“, Advances in School Mental Health Promotion, 7:3, 184-204, DOI: 10.1080/1754730X.2014.916497
Schonert-Reichl, K.A., Lawlor, M.S. “The Effects of a Mindfulness-Based Education Program on Pre- and Early Adolescents’ Well-Being and Social and Emotional Competence. Mindfulness” 1, 137–151 (2010). https://doi.org/10.1007/s12671-010-0011-8
Felver, J.C., Frank, J.L. & McEachern, A.D. “Effectiveness, Acceptability, and Feasibility of the Soles of the Feet Mindfulness-Based Intervention with Elementary School Students”. Mindfulness 5, 589–597 (2014). https://doi.org/10.1007/s12671-013-0238-2