دور الوراثة والجينات في تطور الاضطرابات النفسية
يؤثر المرض النفسي على كيفية تصرف الأشخاص وتفكيرهم وشعورهم مما يؤثر على العديد من مجالات حياتهم، بما في ذلك قدرتهم على العمل والتعامل مع التحديات والتواصل مع الآخرين.
إذا كنت تعاني من مرض نفسي فربما أنت تريد معرفة أصوله، بما في ذلك ما إذا كان مرضاً وراثيًا أم لا، لكن الإجابة على ما إذا كان المرض العقلي وراثيًا هي إجابة معقدة، فالمرض النفسي مزيج من مجموعة عوامل، والعديد من الأمراض النفسية لم يتم تحديد العامل المسبب لها.
في هذا المقال سنحدد ما هو دور الوراثة في الأمراض النفسية
هل المرض النفسي وراثي؟
الأسباب الدقيقة للأمراض العقلية ليست مفهومة تماماً، ولكن يبدو أن الجينات والوراثة هي إحدى القطع التي ستساعدنا في حل اللغز، لكن في الجهة الأخرى يبدو أن بعض حالات الصحة النفسية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالوراثة، وتشير بعض الأبحاث إلى وجود عوامل وراثية مشتركة تلعب دوراً مهماً في حدوث هذه الاضطرابات.
العديد من الناس قد يعاني من القلق أو الخوف من إصابته أو إصابة أطفاله بمرض نفسي موجود ضمن العائلة، لكن الجينات وحدها ليست مسؤولة عن حدوث المرض النفسي، بمعنى آخر وجود أحد أفراد عائلتك مصاب باضطراب نفسي لا يعني أنك ستصاب به.
هل يمكن تشخيص المرض النفسي اعتمادًا على الوراثة؟
يقوم الأطباء بتشخيص الاضطرابات النفسية بناء على العلامات والأعراض التي تظهر على كل مريض، ويستخدم الأطباء الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5) للمساعدة في تشخيص هذه الاضطرابات، لكن لا وجود لاختبارات جينية تساعد في معرفة أو تأكيد الإصابة بالمرض النفسي.
في الواقع لا يمكن لأي متغير جيني أن يحدد إصابتك بمرض نفسي أم لا ناهيك عن نوع هذا المرض، ونظراً لأن التجارب والبيئة تلعب دوراً مهماً في تطور الاضطراب النفسي، فلن يستطيع أي اختبار جيني على الإطلاق تحديد الأشخاص المعرضين للإصابة أكثر من غيرهم.
ما الذي يخبرنا به العلم حول الوراثة والأمراض النفسية؟
وجدت العديد من الأبحاث أن المرض النفسي قد ينتج بسبب مكون وراثي، لكن النسبة الأكبر من الأبحاث تؤكد أن المرض النفسي ناتج عن مزيج من المكونات الجينية الوراثية والبيئية، لكن هناك بعض الاضطرابات النفسية مثل: الاضطراب ثنائي القطب والفصام والاكتئاب، ترتبط بشكل وثيق بالوراثة أكثر من الاضطرابات الأخرى.
الدراسات التي تبحث حول الروابط بين علم الوراثة والأمراض العقلية مستمرة، لكن النتائج مازالت غامضة حتى الآن ولدينا العديد من الأسئلة إجابتها مبهمة حتى الآن. وفقاً لتحليل من المعهد الوطني للصحة النفسية (NIH)، فالمرض النفسي عادةً ما ينتج عن مزيج من أربعة عوامل رئيسية:
1- الوراثة.
2- البيولوجيا.
3- العوامل البيئية.
4- العوامل النفسية.
ما الذي يعنيه وجود اضطراب نفسي في العائلة؟
فرصة إصابة الفرد باضطراب نفسي محدد تصبح أعلى إذا كان أفراد الأسرة الآخرين يعانون من نفس الاضطراب، وعلى الرغم من أن الاضطراب النفسي قد يكون وراثياً إلا أن هناك اختلافات كبيرة في شدة وكمية الأعراض بين الأفراد المصابين من نفس الأسرة.
يجب التنويه أن الاضطراب النفسي وتواجده الوراثي في العائلة لا يعني بالضرورة أنك ستصاب به، يمكن القول أن الاضطرابات النفسية لا تتبع نمطاً محدداً فيما يتعلق بعوامل الوراثة، لكن وجود الاضطراب النفسي في عائلتك يعني زيادة احتمال إصابتك بهذا الاضطراب.
الفهم الواضح لآلية انتقال الأمراض والاضطرابات النفسية وفهم المخاطر الخاصة بالاضطراب النفسي الذي يسري في العائلة سيساعدك على أن تكون أكثر انتباهاً للأعراض المبكرة، وبالتالي يمكنك تلقي العلاج المبكر والحصول على نتائج أفضل.
كيف يمكنني تحديد خطورة إصابتي باضطراب نفسي عن طريق الوراثة؟
إن تحديد المخاطر الخاصة بك أمر معقد، وتختلف النسب والنتائج باختلاف الظروف المحيطة بك، على سبيل المثال: يعد الفصام واضطراب ثنائي القطب من الاضطرابات النفسية المرتبطة بشكل قوي بالوراثة، وجدت إحدى الدراسات المتعلقة بهذه الاضطرابات أن نسبة إصابة أي شخص بالفصام عن طريق الوراثة هي 64% واضطراب ثنائي القطب هي 59%.
لكن هذه مجرد تقديرات نسبية، مازال هناك حاجة للمزيد من البحث للحصول على فهم أكبر للمخاطر الجينية والعوامل الأخرى التي قد تلعب دوراً واضحاً في إصابتك بهذه الاضطرابات النفسية، في الواقع إن خطر إصابتك بالاضطراب ثنائي القطب أو الفصام هو 1/100 وبشكل أوضح 1% من سكان العالم تظهر لديهم هذه الاضطرابات تبعاً لعوامل وراثية.
ما هي الطرق التي تساعد في تقليل خطر الإصابة بالأمراض النفسية؟
على الرغم من أنك لا تملك القدرة على تغيير عوامل الخطر المتعلقة بالوراثة، لكنك قادر على اتخاذ بعض الخطوات لرعاية صحتك النفسية، حتى لو كانت نسبة إصابتك بمرض نفسي مرتفعة بسبب العوامل الوراثية، فالاهتمام بسلامتك ومراقبة الأعراض المبكرة وطلب المساعدة عندما تحتاجها يمكن أن يساعدك في عيش حياة أفضل.
بعض الخطوات التي تستطيع اتباعها لحماية صحتك النفسية وتقليل خطر إصابتك بمرض نفسي هي:
1- الحصول على قسط وافر من النوم
هناك علاقة معقدة بين النوم والصحة النفسية، العديد من الأمراض والاضطرابات النفسية قد تسبب مشاكل في النوم، وأيضًا قلة النوم قد تساهم أيضاً في ظهور المرض النفسي، فقد أظهرت الأبحاث أن الأشخاص الذين يعانون من حالات الصحة العقلية مثل: الفصام والاضطراب ثنائي القطب والاكتئاب يعانون من اضطرابات في النوم بمعدل أعلى من الأشخاص الذين لا يعانون من هذه الحالات.
2- حافظ على نشاطك البدني
تتمتع التمارين الرياضية بفوائد صحية عالية وقادرة على تحسين صحتك النفسية، أفاد العديد من الأشخاص الذين يمارسون الرياضة بانتظام أنهم يشعرون بمزيد من النشاط والسعادة وقلق أقل من الأشخاص الذين لا يمارسون الرياضة.
تشير بعض الأدلة إلى أن التمارين الرياضية يمكن أن تلعب دوراً هاماً في الوقاية من بعض حالات الصحة النفسية وعلاجها مثل: القلق والاكتئاب.
3- اتباع نظام غذائي صحي
الطعام الذي تتناوله قادر على التأثير على صحتك النفسية والجسدية على حد سواء، يتضمن النظام الغذائي الصحي الكثير من الفواكه والخضروات والحبوب الكاملة، ويحد من الأطعمة المصنعة والدهون المشبعة والسكريات المكررة.
هناك بعض الأدلة على أن بعض العناصر الغذائية مثل أحماض أوميغا 3 الدهنية، قد تكون مفيدة بشكل خاص للصحة النفسية.
4- إدارة مستويات الإجهاد الخاصة بك
الإجهاد هو جزء من الحياة، ومع ذلك يمكن أن يتحول الإجهاد لحالة مؤلمة ومزمنة عندما يكون التوتر مستمراً أو شديداً، هذا النوع من الإجهاد سيؤثر سلباً على صحتك النفسية والجسدية، هناك العديد من الطرق لإدارة الإجهاد والتوتر مثل: ممارسة التمارين الرياضية وتقنيات الاسترخاء والتفكير الإيجابي، من المهم العثور على ما يناسبك فالطرق التي ساعدت الآخرين قد لا تعطي نفس النتائج لديك.
قد يكون هناك روابط بين الوراثة والأمراض والاضطرابات النفسية، لكن مازلنا نجهل الكثير من المعلومات والحقائق حول هذا الأمر، يعتقد العلماء بوجود سبب وراثي لمعظم الأمراض النفسية، لكن تذكر أن مجرد وجود مرض نفسي في عائلتك لا يعني أنك سوف تصاب به بالضرورة.