علاج الصدمات النفسية من أكثر أنواع العلاج النفسي تعقيداً، ولا تزال حتى الوقت الراهن تشكل مصدر قلق علمي إذ تمثل الصدمات النفسية نسبة 13% من الاضطرابات العقلية، و بمعدل من 1 إلى 4 أشخاص من كل 100 شخص في العالم قد يتأثر باضطرابات نفسية، جراء التعرض لصدمة نفسية فى مرحلة عمرية ما.

لذلك تعد الصدمات النفسية من أكثر التحديات الصحية والنفسية التي تواجه البشرية. وقد أدى التطور التكنولوجي السريع إلى ظهور أدوات جديدة واعدة لعلاج هذه الصدمات، أبرزها الذكاء الاصطناعي. 

في هذا المقال، سنتناول دور الذكاء الاصطناعي في علاج الصدمات النفسية، وآفاقه المستقبلية، والتحديات التي يواجهها.

ما هي الصدمة النفسية؟

الصدمة النفسية هي رد فعل طبيعي على حدث مؤلم أو مخيف، ولكن إذا استمرت هذه الصدمة لفترة طويلة، فقد تؤدي إلى اضطرابات نفسية مثل اضطراب ما بعد الصدمة. تتضمن أعراض الصدمة النفسية مجموعة واسعة من المشاعر والأفكار والسلوكيات السلبية بما في ذلك القلق، الاكتئاب، الكوابيس، صعوبة التركيز، وتجنب المواقف أو الأشخاص المرتبطين بالحدث المؤلم.

دور الذكاء الاصطناعي في علاج الصدمات النفسية

يقدم الذكاء الاصطناعي العديد من الأدوات والتقنيات التي يمكن أن تساعد في علاج الصدمات النفسية، بما في ذلك:

•  العلاج السلوكي المعرفي

تعمل تقنيات الذكاء الاصطناعي على تقديم  برامج  تكنولوجية متخصصة في العلاج السلوكي مخصصة لكل فرد، حيث يساعد المرضى على تحدي الأفكار السلبية واستبدالها بأفكار أكثر واقعية قد يكون لها تأثير إيجابي في علاج الصدمة النفسية.

•  التفاعل الاجتماعي

يمكن لروبوتات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي أن توفر بيئة آمنة للمرضى للتعبير عن مشاعرهم وأفكارهم، مما يساعدهم على الشعور بأنهم في دائرة الاهتمام المشترك.

•   التدريب على مهارات التأقلم

 يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد المرضى على تعلم مهارات جديدة للتأقلم مع الضغوط، مثل تقنيات الاسترخاء والتنفس العميق، وتعلم مهارات جديدة، والمساهمة في تطوير الأبحاث حول علاج الصدمة النفسية 

•   المتابعة المستمرة

توفر بعض تطبيقات الذكاء الاصطناعي المتابعة المستمرة لحالات المرضى بشكل مستمر، ويقدم لهم التذكير بالمواعيد، وتقييم تقدمهم في العلاج.

•  تحليل البيانات

يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل كميات كبيرة من البيانات المتعلقة بحالة علاج الصدمة النفسية، مما يساعد الأطباء على فهم أفضل لحالتهم وتقديم العلاج المناسب.

•   الواقع الافتراضي

يمكن استخدام تقنية الواقع الافتراضي لعرض سيناريوهات آمنة  في عرض صدمات نفسية لآخرين، يساعد هذا الواقع  المرضى على مواجهة مخاوفهم والتغلب على الصدمات بشكل تدريجي.

أمثلة على تطبيقات الذكاء الاصطناعي لعلاج الصدمات النفسية

 روبوتات الدردشة العلاجية

يشهد مجال الصحة النفسية تطوراً ملحوظاً بفضل التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي. وتُستخدم هذه التكنولوجيا المتطورة لتطوير مجموعة واسعة من التطبيقات التي تساعد الأفراد المصابين بالصدمات النفسية على التعافي، وبالفعل بدأت بعض الشركات المطورة للعلاج النفسي تطوير بعض التطبيقات للمساعدة في علاج الصدمات النفسية مثل:

طورت الجمعية الطبية للعلاج النفسي في الولايات المتحدة الأمريكية مايعرف باسم 

مشروع “Ellie” وهو مشروع بحثي يعتمد على نظام AI يهدف إلى تقديم الدعم النفسي للمحاربين القدامى. يستخدم Ellie تقنية التعرف على الوجوه والصوت لتحليل المشاعر وتقديم استجابات ودية وداعمة.

تطبيقات ل علاج الصدمات النفسية الرعاية النفسية  مثل “Wysa” و “Woebot”

تعتبر “Wysa” و “Woebot” أمثلة على التطبيقات المدعومة بالذكاء الاصطناعي التي تقدم الدعم النفسي والاستشارات الافتراضية. تعتمد هذه التطبيقات على التعلم الآلي لتقديم نصائح واستراتيجيات لمواجهة التوتر والقلق.

تطبيقات الدعم المستمر 

مثل chatbot b وهو مدعوم بالذكاء الاصطناعي، يستخدم  

الدعم  السلوكي المعرفي لمساعدة المستخدم على إدارة الاكتئاب والقلق وتحسين صحتهم النفسية بشكل عام. يمكن  “Woebot” تكييف المحادثات بناءً على احتياجات المستخدم

التطبيقات القائمة على الواقع الافتراضي 

تستخدم تقنية الواقع الافتراضي لعرض سيناريوهات آمنة تساعد المرضى على مواجهة مخاوفهم المتعلقة بالصدمة، مما يجعلها ذات تأثير كبير في علاج الصدمة النفسية من خلال سيناريوهات  التعرض تدريجياً للمواقف التي تسبب لهم القلق في بيئة افتراضية آمنة.

تطبيقات تحليل اللغة الطبيعية

تلعب اللغة دورا فعالاً في رصد التغيرات في المزاج، و يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل اللغة المستخدمة في المحادثات النصية أو الصوتية لتحديد التغيرات في المزاج والاكتئاب، وتحديد نوع الصدمة النفسية التي يتعرض لها المريض، والمساعدة في تقديم العلاج :

تطبيقات التأمل 

تقدم هذه التطبيقات تمارين يومية مثل التأمل والتنفس العميق لمساعدة المرضى على إدارة التوتر والقلق.

 إنشاء مجتمعات افتراضية 

 يمكن للتطبيقات إنشاء مجتمعات دعم افتراضية حيث يمكن للمرضى التواصل مع الآخرين الذين يعانون من تجارب مماثلة، والاستفادة من تجاربهم في علاج الصدمة النفسية.

الأجهزة القابلة للارتداء

تعمل تقنيات تلك الأجهزة على مراقبة العلامات الحيوية، كما يمكن للأجهزة القابلة للارتداء مثل الساعات الذكية مراقبة معدل ضربات القلب وضغط الدم ودرجة حرارة الجسم، مما يساعد في تحديد التغيرات الجسدية المرتبطة بالصدمة.

 والتنبؤ بالأزمات وعلاج الصدمة النفسية بسرعة وفاعلية 

فوائد استخدام الذكاء الاصطناعي في علاج الصدمات النفسية

هناك العديد من الفوائد الصحية التي تقدمها تقنيات الذكاء الاصطناعي في علاج الصدمات النفسية، منها على سبيل المثال:

1.  الوصول السريع 

 يمكن للذكاء الاصطناعي توفير الرعاية النفسية للأشخاص الذين يعيشون في مناطق نائية أو الذين يواجهون صعوبة في الوصول إلى الأطباء النفسيين، ولا سيما أن عدد الأطباء النفسيين في تناقص مستمر، بينما تشير حالات الصدمات النفسية إلى عدد اكثر بكثير من الاحصائيات الحكومية المعتمدة، وهو ما يشير إلى ثقة البعض في التعامل مع التكنولوجيا بثقة 

2. الدقة في تخصيص الحالات النفسية 

يمكن لتطبيقات الذكاء الاصطناعي تحليل البيانات بدقة، مما يساهم في معرقة  الحالات النفسية بدقة، وتصنيف العلاج النفسي  لتناسب احتياجات كل مريض على حدة.

3.  تقليل التكلفة

يمكن للذكاء الاصطناعي تقليل التكاليف المرتبطة بالعلاج النفسي التقليدي، وعلاج الصدمة النفسية دون وجود تكلفة على الفرد.

4. تحليل البيانات 

تعمل تقنيات الذكاء الاصطناعي في توفير الاحصائيات اللازمة لرفع كفاءة علاج الصدمة النفسية لدى الأفراد من خلال تقديم البيانات بكل دقة.

عيوب  الذكاء الاصطناعي في علاج الصدمات النفسية 

يعد الذكاء الاصطناعي أداة واعدة في علاج الصدمات النفسية، ولكن يجب استخدامه بحذر و بالتكامل مع العلاجات التقليدية. من خلال التغلب على التحديات الحالية مثل 

• الخصوصية للبيانات الشخصية للمرضى.
• عدم وجود حماية معتمدة للبيانات والمعلومات 
•   التفاعل البشري
•   التكلفة

 قد تكون تكلفة تطوير وتطبيق هذه التقنيات عالية.

•  التحيز في الخوارزميات

 يجب التأكد من أن خوارزميات الذكاء الاصطناعي خالية من التحيزات التي قد تؤثر على نتائج العلاج.

مستقبل علاج الصدمات النفسية بالذكاء الاصطناعي 

على الرغم من اعتماد الكثير من الهيئات الطبية النفسية حول العالم على دور أكبر للذكاء الاصطناعي في علاج الصدمة النفسية، إلا أن نظام العلاج لم يعتمد في منظمة الصحة العالمية، أو غيرها من المنظمات الطبية المعتمدة، تعمل بعض المنظمات الطبية الخاصة على دراسة مستقبل علاج الصدمات النفسية بالذكاء الاصطناعي من خلال :

•   الأبحاث المستمرة
• لا يزال هناك حاجة إلى مزيد من الأبحاث لتقييم فعالية الذكاء الاصطناعي في علاج الصدمات النفسية على المدى الطويل.

•   التكامل مع العلاجات التقليدية
•  يجب أن يكون الذكاء الاصطناعي جزءًا من نهج علاجي شامل يتضمن أيضًا العلاج النفسي والدوائي.
• إنشاء وتطوير تطبيقات الدعم حيث يجب توعية الجمهور حول فوائد الذكاء الاصطناعي في علاج الصدمات النفسية.
• تبديد المخاوف المتعلقة بخصوصية البيانات والأمان

•  التوعية بدور الذكاء الاصطناعي في الوقاية من الصدمات النفسية.
• تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي في علاج أنواع معينة من الصدمات (مثل صدمة الطفولة، صدمة الحرب)
•  التعاون بين الخبراء في مجال الصحة النفسية وعلماء الكمبيوتر لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي.

يعد الذكاء الاصطناعي أداة واعدة في علاج الصدمات النفسية، ولكن يجب استخدامه بحذر و بالتكامل مع العلاجات التقليدية. من خلال التغلب على التحديات الحالية، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساهم في تحسين حياة ملايين الأشخاص الذين يعانون من الصدمات النفسية.

المصادر: 1 2 3