“الفومو” أو “FOMO” هو اختصار لعبارة “Fear of Missing Out” التي تعني الهوس من فوات الفرصة، ظهر هذا المصطلح في عام 2004، واكتسب شعبية واسعة بين أروقة الطب النفسي، وهو يصف قلقًا محددًا ينشأ عندما يدرك الشخص أنه يفتقد بعض التفاعلات الاجتماعية المهمة، نتيجة التطورات التكنولوجية ووسائل التواصل الاجتماعي الذي أصبح جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية.

يعبر الفومو عن الهوس بشيء ما أو الخوف من  ضياع التجربة، أو القلق من فوات حدث معين، ولا يتوقف هذا الشعور على وسائل التواصل الاجتماعي فقط، بل يمتد إلى الهوس من رؤية الآخرين يستمتعون بحياتهم، أو يشاركون تجاربهم الاجتماعية في الحياة.

في هذا المقال سنتناول بالتفصيل الهوس من فوات الفرص وتأثيره على صحة الفرد.

 ماهو مفهوم الفومو (FOMO) الهوس من فوات الفرص 

خلقت التكنولوجيا الحديثة وسائل تواصل اجتماعي افتراضية، وخلفت معها بعض الظواهر النفسية الجديدة. يعد من أبرزها ظاهرة الفومو، حيث تطورت تلك الظاهرة مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك، إنستغرام، تويتر، وسناب شات، حيث تعمل تلك الوسائل على المشاركة الفعالة بشكل لحظي مع الآخرين، مما ينتج عنه فعاليات مختلفة، تختلف حسب اهتمام كل شخص، كما أصبح من السهل معرفة كل ما يفعله الأصدقاء، والمشاهير، ومن خلال هذه التجارِب يولد شعور خفي بأن هناك شيئ ما يجب أن يتغير داخلنا، وتبدأ رحلة الهوس من فوات الفرص، والبحث عن أنفسنا داخل هذا الإطار، كل هذه العوامل تساهم في التفكير لدى البعض بأنهم في وضع أقل، أو أن حياتهم ليست ممتعة بقدر حياة الآخرين. مما يزيد من المشاعر السلبية مثل الحسد، القلق، حتى الحزن، تتحول فيمًا بعد إلى مرض نفسي مزمن.

أسباب ظاهرة الهوس من فوات الفرصة 

الهوس حالة نفسية تتميز بالنشاط المفرط في الدماغ، وهو مرض ثنائي القطب له علاجات معينة، وقد تختفى مع اختفاء الأسباب ولكن عندما يكون هذا الهوس مرادفًا  للحياة العصرية، فإننا بذلك نعيش في حياة مغلقة على الرغم من اتساعها، حاولت الكثير من الدراسات اكتشاف أسباب هذه الظاهرة ومدى تأثيرها على صحة الفرد منها دراسة أجريت عام 2013، عرّفت مجموعة من علماء النفس FOMO ببساطة على أنها “خوف شامل من أن الآخرين قد يخوضون تجارِب مجزية يغيب عنها الشخص ” وخلصت أسبابها إلى ما يلي:

 وسائل التواصل الاجتماعي 

وسائل التواصل الاجتماعي تساهم بشكل كبير في زيادة معدلات الهوس من فوات الفرص، حتى وإن كانت شيئًا وهميًا. وقد ربطت بعض الدراسات كثرة الحوادث بظاهرة الفومو، وربطت بين هوس السائق بالنظر في جواله أثناء القيادة والقيادة، بالتسبب في الحوادث، كما أظهرت دراسات أخرى أن وسائل التواصل الاجتماعي تؤثر بشكل أكبر على الشباب، والمراهقين، الذين يتابعون صورًا للأصدقاء في مناسبات أو عطلات، أو متابعة أخبارًا لأحداث ممتعة، لم يكونوا جزءًا منها. كل هذا يولد لديهم إحساسًا بأنهم قد يفوتون شيئًا مهمًا.

الثقافة الاستهلاكية

 في عالمنا المعاصر، يتم تشجيع الناس على الاستهلاك، سواء كانت منتجات أو تجارِب، تعتمد الخطط التسويقية على الإعلانات بواسطة المشاهير الذين يشجعون الناس باستمرار على تجرِبة كل شيء جديد. مما يزيد من هوس الشراء لأشياء لا نريدها على الأرجح، ويرجع السبب في شرائها الخوف من فوات الفرصة.

عدم القدرة على اتخاذ قرارات

بعض الأشخاص يواجهون صعوبة في اتخاذ قراراتهم بسبب خوفهم من اتخاذ القرار الخاطئ، أو فوات فرصة أفضل. هذا الشعور يُعرف بـ “تحليل الشلل”، حيث يتوقف الشخص عن اتخاذ أي قرار خوفًا من تفويت فرصة أخرى. هذا الشعور المتأصل يجعلنا نتابع ما يحدث حولنا، دون القدرة على اتخاذ أبسط القرارات.

قلة التحفيز الاجتماعي

خلق الله البشر، وخلق في طبيعتهم سمة التواصل والتراحم، ومع التقدم العلمي الهائل تراجعت أهمية التحفيز الاجتماعي في المجتمع، حتى بين أفراد الأسرة الواحدة، مما نتج عنه البحث عن وسائل تحفيزية أخرى لدعم الذات، ويترجم في اللجوء إلى الوسائل الافتراضية، التي بدورها تقوم على الحافز الوهمي، الذي يشكل عبئا إضافيًا، من خلال الهوس من فوات فرصة تحفيز جديد.

الهوس من فوات الفرص وتأثيره على صحة الفرد

الفومو له تأثيرات نفسية متعددة، وقد يؤدي إلى ضغوط نفسية وتوترات تؤثر سلبًا على الصحة العقلية. الأشخاص الذين يعانون من الهوس قد يشعرون بضغط مستمر لمتابعة كل جديد والمشاركة في كل نشاط.

هذا الهوس المبالغ فيه يمكن أن يسبب:

1.القلق والاكتئاب 

سجلت بعض العيادات النفسية في أمريكا نسبة 20% من المصابين بمرض الهوس على وسائل التواصل الاجتماعي  ويعانون القلق والاكتئاب، وهو ماعرف مؤخرًا بأنه يمكن أن يزيد من مستويات القلق والاكتئاب، خاصة عندما يقارن الشخص حياته بحياة الآخرين بصفة مستمرة.

2. عدم الرضا عن الذات

الهوس لخلق فرص جديدة في حياة الشخص الاجتماعية، تنعكس على طريقته في التعبير عن نفسه على وسائل التواصل الاجتماعي، وتنعكس طريقة تفكيره في كل ما يحيط به في حياته، في أثناء المقارنة بينه وبين تجارِب الآخرين، قد يصاب الشخص بالنظرة الدنيوية حين يمتلكه الهوس، بأنه أقل من الآخرين أو أنه يفوته شيء ما، قد يبدأ في الشعور بعدم الرضا عن حياته وتجربته الشخصية ككل.

3.الإرهاق النفسي والاجتماعي 

الأشخاص الذين يعانون من الفومو قد يجدون أنفسهم دائمًا يحاولون المشاركة في كل شيء، داخل دائرة المعلومات الخاصة بهم، أو خارجها، مما يؤدي إلى إرهاق نفسي وجسدي، خاصة إذا لم يكونوا قادرين على تلبية جميع المتطلبات الاجتماعية في حياتهم اليومية. 

4. عدم القدرة على التركيز

 الهوس من ضياع الفرص يؤثر على القدرة الذهنية للفرد، وقضاء وقت أطول على وسائل التواصل الاجتماعي دون جدوى، ولذلك 

يجد الشخص صعوبة في التركيز على الأمور المهمة في حياته، سواء كانت عمله أو دراسته أو حتى عائلته.

5.عدم الاستقرار الوظيفي والمادي 

رغم أن الهوس في هذه الفئة تحديدًا من الصفات التي تمثل للأشخاص نمط يعد مفيدًا، لتحسين مستواهم المادي والوظيفي، فإن ثمة أسباب قد تدفع بهم إلى الهاوية، حينما يكون هذا الهوس مستمرًا ومبالغ فيه، ويزيد مع الخوف المستمر من فوات الفرص في كل وقت، التي يمكن أن تكون في الأصل فرصًا وهمية، مما يزيد من سوء الحالة، وتزداد معها التأثيرات النفسية والذهنية، ويطلب معها تدخل نفسي سريع.

6. التأثير النفسي على الشباب 

أثبت العلم الحديث كما ثبت في القرآن الكريم بأن قمة التفكير العقلاني هو سن الأربعين، في حين يبلغ الإنسان أشده وتكتمل ناصية تفكيره، لذلك فإن الهوس من فوات الفرص يتأثر به معظم الشباب، نظرًا لأنهم نشأوا في عصر التكنولوجيا، والتواصل الاجتماعي، فهم أكثر عرضة للشعور بالضغط الاجتماعي، في أثناء متابعة وسائل التواصل، التي تقدم صورة مثالية لحياة الآخرين، وهذا يجعل الشباب يشعرون بأنهم دائمًا بحاجة إلى المشاركة والمنافسة.

كيفية التغلب على الهوس من فوات الفرص 

علاج الفومو يتطلب اتباع مجموعة من الاستراتيجيات النفسية والسلوكية، التي تساعد على تقليل القلق والتوتر،  الناتج عن الهوس من تفويت فرص أو تجارِب، ويمكن للأشخاص الذين يعانون من هذه الظاهرة النفسية استخدام الأساليب التالية للوقاية والعلاج:

تقليل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي

وسائل التواصل الاجتماعي هي السبب الرئيسي للهوس، يعد تقليل الوقت الذي نقضيه على هذه المنصات خطوة فعالة للوقاية من ظاهرة الهوس من خلال:

• تحديد أيام أو ساعات خالية من وسائل التواصل الاجتماعي
• إلغاء متابعة الحسابات التي تسبب شعور الهوس بالآخرين
• الإيمان الثابت بأن المواقع الافتراضية ليست هي الحياة المثالية للقدوة والمقارنة.

اليقظة الذهنية (Mindfulness)

اليقظة الذهنية تعني التركيز على اللحظة الحالية بدلًا من القلق بشأن ما سيحدث، يمكنك تحقيق ذلك من خلال:

• قضاء لحظات في التأمل والاسترخاء في تهدئة العقل وتقليل التوتر
• تثبيت الوازع الديني حيث يمنحك شعورًا بالرضا عمّا يحدث في اللحظة الحالية
•  ممارسة التنفس العميق يمكن أن يساعد على تهدئة الأعصاب وتقليل القلق المرتبط بالـ فومو.

 التفكير الإيجابي

ينصح الأطباء النفسيين على التفكير الإيجابي المتمثل في الحياة الواقعية، من خلال ممارسة الرياضة، والأنشطة المحببة للفرد، والتفكير في التطوير المهني، واغتنام الفرص الحقيقية نحو النجاح العملي،

• النظر دائمًا على الأشياء الإيجابية التي تمتلكها في حياتك بدلًا من التركيز على ما تفتقده.
• التفكير في النجاحات الشخصية بدلًا من مقارنة نفسك بالآخرين.
• ممارسة هِواية محببة كنت تمارسها في الصغر.

 الثقة بالنفس

الهوس طبقًا لـِ الدراسات النفسية يصيب هؤلاء الأشخاص، الذين يشعرون بأنهم أقل من الآخرين، أو أن حياتهم ليست ممتعة بما يكفي، حيث يمكن تعزيز الثقة بالنفس من خلال:

• الاعتراف بإنجازاتك وعدم تقليل شأنها.
• ممارسة الأنشطة التي تجعلك تشعر بالنجاح والرضا.

 العلاقات الحقيقية

بدلًا من التركيز على التواصل الافتراضي على وسائل التواصل الاجتماعي، حاول التركيز على بناء علاقات حقيقية مع الأشخاص من حولك. العلاقات الحقيقية أكثر إرضاءً واستدامة من العلاقات الافتراضية التي يمكن أن تعزز من الهوس والخوف من ضياع الفرص 

الراحة والاسترخاء

أحيانًا يكون الشعور بالـ فومو مرتبطًا والإرهاق الذهني والجسدي. يجب أن تسمح لنفسك بالاسترخاء وأخذ فترات راحة دون الشعور بالذنب. الراحة تساهم في تحسين الحالة النفسية وتجديد النشاط.

طلب المساعدة

إذا كان الفومو يؤثر بشكل كبير على صحتك النفسية، ويسبب لك القلق والاكتئاب، من المهم أن تطلب المساعدة من مختص في العلاج النفسي إذا شعرت بالإخفاق في تجاوز هذا الشعور. نقدم لك في منصة لبيه المساعدة من أجل معرفة طرق ومهارات التعامل الإيجابي. 

علاج الهوس من فوات الفرص ( الفومو)  يتطلب الالتزام بتغييرات سلوكية ونفسية تهدف إلى تقليل التوتر والقلق المرتبط بمقارنة الذات بالآخرين من خلال تقليل الوقت الذي تقضيه على وسائل التواصل الاجتماعي، والتركيز على ما تمتلكه وتطوير الثقة بالنفس، يمكنك تقليل تأثير والاستمتاع بحياتك بشكل أفضل.

المصادر: 1 2 3