ما هي الأفكار الشائعة التي يفكّر فيها مريض الوسواس القهري؟
كم مرة خرجت من منزلك وعدت للتأكد من أنّك أغلقت الباب أو أطفأت الموقد؟ أو ربّما شاهدت من يعيد غسل يديه مرارًا وتكرارًا حتى يُصاب الجلد بالتشقق؟ هل تشعر بارتياح عندما ترتب أقلامك أو أغراضك بدقة وتناظر أو تنسيق محدد في كل مرة؟ أم تتملكك رغبة ملحة في النقر على الخشب أو لمس الأشياء؟
تلك تصرفات قد تحدث في سياق حياتنا اليومية ولا نعطي لها بالًا، ولكن ماذا سيحدث لو أصبحت غير قادرٍ على مغادرة المنزل قبل أن تتأكد عشر مرات من قفل الباب؟ أو ألحت عليك فكرة أنَّ شيئًا ما سيئًا سيحدث لو لم تردد عبارة ما بشكل متكرر؟ أعتقد أنّنا سمعنا جميعًا عن الوسواس القهري ولعل البعض يحدّث صديقه الذي اعتاد على اكتناز الأشياء حد الفوضى قائلًا: لديك وسواس قهري.
من المهمّ ملاحظة أنَّ كل شخص يمر بأفكار تطفلية من وقت لآخر، لكن الأمر ليس كذلك للأفراد المصابين بالوسواس القهري لأنَّ هذه الأفكار مستمرة وتتعارض مع الحياة اليومية، لكن ما هو الوسواس القهري على وجه التحديد؟ وما أبرز الأفكار التي يفكر بها مريض الوسواس القهري؟
هذا ما سنبحثه في السطور الآتية.
تعريف الوسواس القهري OCD
يُعرّف الوسواس القهري بأنه حالة صحية عقلية تسبب هواجس وأفكار مستمرة غير مرغوب بها وتحثُّ الفرد على تكرار القيام بأفعال وسلوكيات معينة، وهناك ما يقارب 1 إلى 2% من سكان العالم يعانون من الوسواس القهري. وعلى اعتبار أنه يوجد ما يقارب 7.5 مليار شخص في العالم اليوم؛ فإنّه ما يقارب 100 إلى 150 مليون شخص يعيشون مع الوسواس القهري.
العنصرين الأساسيين للوسواس القهري
لاضطراب الوسواس القهري جزآن أساسيان هما:
- الأفكار الملحة: هي الأفكار التي تدخل الوعي غالبًا دون سابق إنذار، وفي أغلب الأحيان يكون محتوى هذه الأفكار غريبًا ومزعجًا وينافي المنطق، فهذه الأفكار قد تواجه الكثير من النّاس لكنّها في حالة مرضى الوسواس القهري فهي تعيق حياتهم اليومية وتسبب لهم الأسى والقلق.
- الإكراهات السلوكية المتكررة: هي سلوكيات متكررة تُجبر مريض الوسواس القهري على القيام بها للتخفيف من القلق المرتبط بالهوس أو منع شيء سيء من الحدوث، ولكن القيام بهذه السلوكيات لا يجلب السعادة بل ربما يقدم راحة مؤقتة من هذا القلق، وغالبًا ما تكون هذه السلوكيات مفرطة ولا ترتبط بالمشكلة.
مسببات الوسواس القهري
ما زالت الأسباب الدقيقة لاضطراب الوسواس القهري غير مفهومة تمامًا، إلا أن بعض الأبحاث والدراسات قد دلت على أنها مزيج من العوامل الوراثية والبيئية والعصبية، وقد ورد في كتاب Obsessive-Compulsive Disorder الخطوط العريضة لمسببات الوسواس القهري والتي تتلخص بما يلي:
- أسباب وراثية.
- أسباب بيولوجية كتغيير في كيمياء المخ.
- التعلم من البيئة.
- التعرض للصدمات.
أكثر الأفكار شيوعًا لدى مرضى الوسواس القهري
أثناء ممارستك لحياتك اليومية ربما راودتك فجأة أفكار غريبة ملحة غير مقبولة، مما يجعلك تسأل نفسك ما هذا؟ لا تقلق فقد يحدث هذا للكثير بحسب دراسة (Ackerman,2018) التي حددت بعض أهم الأفكار التي ترافق مريض الوسواس القهري:
- التنظيف والغسيل القهري
” أغلقوا النوافذ؛ فهنالك غبار في الخارج “. قد يمسح مريض الوسواس القهري إصبعه على المنضدة كل نصف ساعة ليتأكد من نظافة المكان، وفي بعض الحالات يعيد غسل يديه عدة مرات، أو بعد لمس الأشياء التي لمسها شخص آخر، ويندرج الخوف من المصافحة ضمن هذا البند، وقد فاقمت جائحة كورونا من حدة هذه الحالات أيضًا.
- التحقق والفحص بشكل متكرر
لعل أكثر الأفكار شيوعًا لدى مريض الوسواس القهري هو رغبته في التحقق وفحص الأقفال، والأجهزة، والمفاتيح و الموقد، إذ نجد في العديد من الحالات أن الشخص يقوم بالتأكد مرةً تلو مرة من إغلاق الباب أو إطفاء الموقد على الرغم من قيامه بذلك مُسبقًا. تصل هذه الأفكار في بعض الأحيان إلى حد وضع أكثر من قفل للباب أو فحص المفاتيح بشكل يومي.
- العد القهري بأنماطٍ محددةٍ
” للرّقم أربعة مكانة خاصة في نفس الشخص، لذا عليه أن يكرر أي عمل أربع مرات”. أحد الأعراض الشائعة لدى مريض الوسواس القهري هو العد القهري؛ فعلى سبيل المثال: ربما يعد المريض لأنه يشعر بأن أرقام معينة لها دلالة مميزة، لذلك يعتقد بأن بعض الأفعال عليه القيام بها لعدد معين من المرات. فإذا قام بالفعل لمرة واحدة؛ فإنه لا يشعر بالراحة والرضا حتى يكرر عمله عدد المرات التي يريد، ويتضمن ذلك: عد الأشياء، وعد الخطوات أثناء المشي أو الركض والعد يكون بصوت مرتفع أو داخلي، ومراقبة الوقت أثناء مشاهدة فيلم ما، وكل ذلك دون وجود سبب منطقي وواضح.
- الترتيب والتنسيق والدقة بشكل مفرط
ربما شاهدت الشّخص الذي يرتّب أحذيته في الخزانة وفق صف واحد ونمط ثابت ويعيد الترتيب والتنسيق حتى يشعر بالرضا والراحة، وهناك من يمضي الساعات في ترتيب أشيائه وأقلامه وملابسه في نمط واحد محدد ومعيار صارم، فمريض الوسواس القهري يشعر بالراحة لقيامه بذلك، ويغضب عندما يرى أغراضه الشخصية في غير مكانها أو ترتيبها، وقد توصلت دراسة (A.S Radomsky, 2004)، بأن الأفراد أظهروا ارتياحًا كبيرًا لمشاهدة الصور المنظمة والعيش في بيئات منظمة مقارنة مع الصور أو البيئات غير المنظمة.
- اتباع روتين صارم
“لا أحب أي مفاجأة أو حدث غير متوقع”، لدى مريض الوسواس القهري أفكار ملحة بأن هناك شيء سيئ سيحدث إذا لم يتبع ذات الروتين اليومي وبكل دقة وصرامة، وهذا يختلف عن الروتين الطبيعي الذي يتبعه الأفراد لأنه في هذه الحالة هذا الروتين الصارم الذي يقوم به المريض هو عبء عليه ولا يستطيع التوقف عن القيام به.
- الخوف المفرط
ويندرج تحت هذا البند عدة أنواع من الخوف المفرط تذكر الدراسة منها:
- الإصابة بمرض مميت
يعاني مريض الوسواس القهري من خوف دائم من الإصابة بمرض مميت، فقد يتوهم أن لديه أحد أعراض ذلك المرض، حيث يربط بين ما يحدث له من أعراض بسيطة وما يراه أو يقرأه صدفة عن ذلك المرض. هذا بالإضافة إلى وساوس متعلقة بأنه قد ينقل بعض الجراثيم أو الأمراض للآخرين.
كما يمكن أن تشمل هذه الأفكار الخوف من الجراثيم والفيروسات أو السموم البيئية.
- الإضرار بالنفس أو الآخرين
ترافق مريض الوسواس القهري، أفكار سلبية مزعجة وعدائية تجاه نفسه أو الآخرين متعلقة بقتل الشريك أو الأطفال على سبيل المثال، وقد تلح عليه فكرة أنه سيقتل أحد المارة أثناء قيادة السيارة، أو قد يتسبب بقتل أحد أفراد الأسرة بسبب ماسٍ كهربائي وما إلى ذلك، وتتضمن هذه الأفكار أيضًا وساوس وتهيؤات أن شيئًا خطيرًا سوف يصيب الأشخاص المقربين منه.
- الخوف من أذية الأشياء الجامدة: كالدمى أو الألعاب
- الخوف من النسيان أو فقدان شيء ما.
- الخوف الشديد من القيام بشيء محرج كالضحك في الجنازة.
- تصورات جنسية مؤذية
أحد أكثر الأفكار إزعاجًا التي تؤرق مريض الوسواس القهري، هي تلك التصورات الجنسية، التي تقتحم خياله، والتي قد تشمل الإنجذاب إلى الأطفال أو أحد أفراد العائلة. بالإضافة إلى رغبة وانجذاب تجاه الحيوانات في بعض الحالات، وقد يراود مريض الوسواس القهري أفكار غير لائقة عند مجرد لمس الآخرين، ويمكن أن تقوده هذه الأفكار إلى الإجرام أو الاغتصاب أو السادية.
- الاكتناز
“أشعر برغبة ملحة في الاحتفاظ بهذا الشيء، فقد يكون له فائدة يوما ما”. غالبًا ما يكرر مريض الوسواس القهري مثل هذه العبارات لكي يحتفظ بأشياء قد لا تكون لها أي أهمية، وفي نهاية المطاف ستَعُمُّ الفوضى المكان أو المنزل بالكثير من الأشياء التي لا قيمة ولا فائدة لها مع صعوبة في القدرة على رميها أو التخلص منها، وربما يقوم مريض الوسواس القهري ببعض مما ذُكر سابقًا؛ بسبب الرغبة الملحة لديه في الوصول إلى الكمال.
وفي ختام الحديث من الجدير بالذكر أن الصحة النفسية في وقتنا الحالي هي ليست رفاهية على الإطلاق، بل حاجة أساسية كحاجتنا إلى الطعام والرعاية الصحية الجسدية، فإذا كنت تعاني من أحد أنواع الوسواس القهري على اختلاف درجة الحدّة، فلا داعي للقلق فهو اضطراب يصيب الملايين حول العالم وطلب المساعدة الطبية والاستشارة يساعد في التغلب على تلك الأفكار أو السلوكيات؛ لأن الوسواس القهري هو حالة قابلة للعلاج من خلال الحصول على الدعم المناسب.
ومن الجدير بالذكر أن تثقيف النفس والآخرين حول الوسواس القهري يساهم في خلق حالة وعي مجتمعي لتجنب الدخول في متاهات لن تؤدي إلّا إلى تفاقم الحالة سوءًا، فتلك الأمراض كالأمراض الجسدية تحتاج إلى الوقت الكافي وإلى اتباع العلاج المناسب.
إذا كنت بحاجة لمزيد من المعلومات حول الوسواس القهري وتقنيات تخفيف الأعراض بإمكانك التواصل مع اختصاصي ضمن تطبيق لبيه للمساعدة والحصول على الدعم المناسب.
المراجع
1- Danielle Dennis, et al. “A Perfect Storm? Health Anxiety, Contamination Fears, and COVID-19: Lessons Learned from Past Pandemics and Current Challenges” International Journal of Cognitive Therapy 14,
Pages 497–513 (2021), https://doi.org/10.1007/s41811-021-00110-0.
2- Adam S. Radomsky, et al. “When more is less: Doubt, repetition, memory, metamemory, and compulsive checking in OCD” Behavior Research and Therapy Volume 59, August 2014, Pages 30-39, https://doi.org/10.1016/j.brat.2014.05.008.
3- Unwanted Intrusive Thoughts, adaa.org, retrieved on 2/6/2023.
4- What Are Intrusive Thoughts in OCD & How to Get Rid Of Them?, positivepsychology.com, retrieved on 2/6/2023.
5- How Common is OCD? impulsetherapy.com, retrieved on 1/6/2023.
6- Obsessive-Compulsive Disorder (OCD), www.webmd.com, retrieved on 1/6/2023.7- Lack, C. (2015). Obsessive-Compulsive Disorder: Etiology, Phenomenology, and Treatment. Ginger Prince Publications.