هل يتفوق الذكاء الاصطناعي على الأطباء في علاج المرض النفسي ؟
يعدُ المرض النفسي من أخطر الأمراض المنتشرة في العصر الحديث. تزخر إحصائيات المراكز النفسية المعتمدة حول العالم بنتائج مرعبة حول النتائج السلبية لأعراض الأمراض النفسية من جهة، وسوء إدارة تلك الأعراض من جهة أخرى. ومع التقدم العلمي الهائل في تطويع التكنولوجيا لخدمة الإنسان، ظهر الذكاء الاصطناعي كواحد من أهم الأدوات التي يستخدمها الإنسان في معرفة الحالة النفسية للأفراد وتحديد التشخيص المناسب، بما في ذلك استخدام التقنيات الحديثة للعلاج. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يمكن أن يتفوق الذكاء الاصطناعي على الأطباء في علاج المرض النفسي؟ وهو ما سنحاول الإجابة عليه من خلال هذه السطور.
هل يتفوق الذكاء الاصطناعي على الأطباء في علاج المرض النفسي؟
بعد ظهور العديد من أدوات الذكاء الاصطناعي، بدأت الكثير من المراكز النفسية بإدراج العديد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال تشخيص المرض النفسي. ومع ذلك، فإنه يجب دراسة الفوائد والمخاطر المحتملة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في تشخيص المرض النفسي. في المستقبل القريب، وفي ظل التقدم العلمي الهائل في تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي (AI)، تزايدت التكهنات حول تفوق استخدامها في جميع المجالات بما فيها الطب النفسي، ومن هنا يجب أن نفرق بين تعريف المرض النفسي والفرق بينه وبين التشخيص والعلاج، وكيف يتم استخدام التكنولوجيا لخدمة الطب النفسي.
تعريف المرض النفسي
يعرف المرض النفسي بأنه مجموعة من الاضطرابات العقلية المؤثرة في تصرفات وسلوكيات المريض، وقد تؤدي في بعض الأحيان إلى الموت أو التفكير في الانتحار.
علاج المرض النفسي
يعتمد التشخيص التقليدي للأمراض النفسية في العيادات على مجموعة من الوسائل، منها:
1.المقابلة السريرية.
يجري الطبيب النفسي مقابلة مفصلة مع المريض لمعرفة الأعراض والفهم العاطفي المتعمق في الحالة، ومدى تأثيرها على حياته اليومية.
كما تشمل الاستفسار عن التاريخ الطبي لجميع أفراد الأسرة ودراسة العوامل المؤثرة في وجود الاضطرابات النفسية.
2. الفحص الجسدي.
عادة يشمل التشخيص المبدئي فحصاً سريرياً لاستبعاد أي نوع من أنواع الأمراض الجسدية. كما يتم عمل الفحوصات اللازمة لدراسة الحالة النفسية من جميع الجوانب المرضية المحتملة.
3. التقييم النفسي.
يعد التقييم النفسي أحد أهم الأدوات المساعدة في تشخيص المرض النفسي، حيث يستخدم الأخصائي النفسي أدوات تقييم معيارية عالمية، مثل الاختبارات النفسية والاستبيانات، لقياس الأعراض والمشاعر والسلوكيات. تساعد هذه الأدوات في تقديم صورة أكثر دقة عن الحالة النفسية للمريض.
4. الإختبارات القياسية المعتمدة
يعتمد الأطباء النفسيون على بعض الأدلة التشخيصية المعتمدة دولياً لقياس مرحلة تشخيص المرض النفسي، ومنها:
– دليل التشخيص والإحصاء للاضطرابات النفسية (DSM-5) الذي تنشره الجمعية الأمريكية للطب النفسي.
– التصنيف الدولي للأمراض (ICD-11) الذي تنشره منظمة الصحة العالمية.
5. الملاحظة المستمرة
عند تشخيص المرض النفسي، لا يكتفي معظم الأخصائيين النفسيين بالمقابلة الأولى أو الفحص المبدئى، وقياس الاضطرابات العقلية فقط، بل تمتد جلسات العلاج النفسي لفترة من الوقت لملاحظة جميع التغيرات والأعراض السلوكية المتغيرة. قد يتطلب التشخيص مرافقة الطبيب النفسي للمريض في المدرسة والعمل والمنزل.
دور الذكاء الاصطناعي في علاج المرض النفسي
يعد تشخيص المرض النفسي رحلة طويلة من الخطوات التي تتطلب جهداً كبيراً، ولا يقتصر التشخيص على الطبيب المعالج فقط. بل تستخدم بعض أدوات الذكاء الاصطناعي مثل
- تطبيقات الخلايا العصبية.
في الآونة الأخيرة، أحدث الذكاء الاصطناعي تغييرًا جذريًا في مجال الرعاية الصحية العقلية والنفسية، وأصبح الاعتماد عليه حتمياً من خلال الاستفادة من التقنيات الحديثة لإرشاد الأطباء في تشخيص المرض وكيفية العلاج.
- تحليل البيانات (Big Data )
يمثل تشخيص الاضطرابات النفسية تحدياً كبيراً لأنها تعتمد على الإبلاغ الذاتي ويصعب أحياناً التمييز بين الصحة العقلية والجسدية. توفر تقنيات الذكاء الاصطناعي نماذج آلية للاضطرابات النفسية، ومتابعة للبيانات للحصول على تطور المرض النفسي.
- تقنيات التعلم العميق (DL)
تستخدم تقنيات التعلم العميق (DL) في التشخيص والعلاج، وهي تقنية حديثة تعمل على إنجاز مهام مثل تقديم رؤى حول جلسات العلاج لتحسين التشخيص، ومراقبة حالة المريض وتغيير العلاج حسب الضرورة من خلال نماذج التعلم الآلي.
- استخلاص الأنماط والتنبؤات من بيانات المرضى ( Machine Learning )
تستخدم تقنيات التعلم الآلي لاستخلاص الأنماط والتنبؤات من بيانات المرضى. يمكن أن يساعد في الكشف المبكر عن الاضطرابات وتقديم خطط علاجية مخصصة.
الفوائد المحتملة للذكاء الاصطناعي في تشخيص المرض النفسي
هناك مجموعة من الفوائد المساعدة التي تقدمها تقنية الذكاء الاصطناعي في إمكانية تشخيص المرض النفسي والوصول إلى نتائج متقدمة في العلاج، ومنها:
- الدقة والسرعة.
يوفر الذكاء الاصطناعي الكثير من العمل والوقت في تحليل كميات كبيرة من البيانات والتشخيص السريع.
- توفير البيانات.
تعمل تقنيات الذكاء الاصطناعي على توفير مختلف الإحصائيات المحدثة بحالات المرض النفسي.
- تحسين الرعاية النفسية.
يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين الوصول إلى الرعاية النفسية، خاصة في المناطق النائية أو التي تفتقر إلى الأطباء النفسيين. وبدلا عن ذلك فإن التطبيقات والروبوتات يمكن أن تكون متاحة على مدار الساعة، مما يوفر الدعم المستمر للمرضى.
تحديات استخدام الذكاء الاصطناعي في تشخيص المرض النفسي
رغم الفوائد العديدة، يواجه استخدام الذكاء الاصطناعي في الطب النفسي العديد من التحديات:
- الفهم العاطفي
يحتاج تشخيص المرض النفسي إلى الفهم والإدراك العاطفي للاضطرابات والسلوكيات الشخصية لدى الفرد. أحد أكبر التحديات التي تواجه الذكاء الاصطناعي في الطب النفسي هو عدم القدرة على فهم العواطف والتفاعل والتواصل الإنساني، وهي أمور تلعب دوراً حاسماً في تشخيص المرض النفسي وكيفية علاجه.
- الخصوصية.
يعتمد مجال الطب النفسي في المقام الأول على الأخلاقيات، ولذلك فإن الخصوصية في تشخيص المرض النفسي هي إحدى عوامل نجاح رحلة العلاج. تفتقر أدوات الذكاء الاصطناعي في الغالب إلى الخصوصية التي يجب أن يتمتع بها المريض، وقد تحدث فرقاً في الأخلاقيات. لذلك، تحذر جمعيات الطب النفسي الأمريكية بصفة مستمرة من تطبيق استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي في تشخيص الحالات النفسية.
- التطبيقات غير المؤهلة.
في الآونة الأخيرة، انتشرت العديد من التطبيقات غير المعتمدة وغير المؤهلة لتشخيص المرض النفسي والاعتماد على اختبارات قياسية غير معتمدة. بهذا الصدد، أصدرت الجمعية الأمريكية للطب النفسي موقعاً رقمياً سنوياً لتحديث جميع تطبيقات الذكاء الاصطناعي ومراقبتها، كما تنصح بعدم استخدامها وهي إحدى مساوئ استخدام الذكاء الاصطناعي في اغلب المجالات.
في النهاية فإن الإجابة على سؤال حول ما إذا كان الذكاء الاصطناعي يتفوق على تشخيص الطب النفسي التقليدي ؟
فإن الذكاء الاصطناعي هو أحد العوامل المؤثرة في تحسين الرعاية النفسية بصفة خاصة لما يحمله من إمكانيات هائلة توفر دقة التشخيص، وخفض التكاليف. ومع ذلك، فإن التحديات المتعلقة بالفهم العاطفي، الأخلاقيات، والتكيف مع التعقيدات البشرية تجعل من غير المحتمل أن يحل الذكاء الاصطناعي محل الأطباء النفسيين في المستقبل القريب، وتسعى حاليًا بعض التطبيقات المهتمة بتقديم خدمات في الصحة النفسية لتقديم أفضل تجربة للعملاء، مثل تطبيق لبيه وهو الرفيق الأمثل للتعامل مع المرض النفسي وتبعاته.