ما هو اللطف السام في العمل؟ وكيف تتعامل معه؟
يعتقد الكثير من الناس أنّ التعامل بلطف مع زملاء العمل يساعد على الشعور بشكل جيد، لكن تكمن المشكلة عندما يصبح هذا اللطف لمساعدة الآخرين على حساب راحتك واحتياجاتك الخاصة، ما قد يؤثر سلبًا على حياتك الاجتماعية والمهنية. تعرّف معنا على كيفية تجنب اللطف السام، والتعامل معه بالشكل الصحيح.
ما هو اللطف السام؟
إنّ التحدث بلباقة والاهتمام بالآخرين من سمات اللطف أثناء العمل، لكن يمكن أن يصبح هذا اللطف سامًا، عندما تكون الأولوية راحة زملائك على حساب سعادتك. قد يحاول الشخص الحفاظ على علاقاته المهنية خالية من المشاكل، لكن المبالغة باللطف تسمح للآخرين بتجاوز حدودهم دون أي مقابل.
لا يدوم اللطف السام لفترات طويلة، حيث يصل الإنسان إلى نقطة يعلم فيها أنه لا يمكن أن يستمر بهذا الأسلوب بالتعامل، وبالتالي عليك وضع حدود واضحة لحماية نفسك، قبل أن ينعكس سلبًا على حياتك الخاصة؛ لأن اللطف مثل الكرم، يجب أن يكون دائمًا علامة على القوة وليس الضعف.
على سبيل المثال: أنت قادر على مساعدة الناس والتبرع بالمال عندما يكون لديك ما يكفيك، وتمنح الآخرين جزءًا من وقتك بفترات الراحة، وتبتسم للآخرين إذا كنت شخصًا إيجابيًا، بينما يعتبر اللطف السام علامة على الضعف؛ لأنه ينبع من الخوف، حيث أظهرت a study (Curry, 2016)، التي تم إجراؤها على أكثر من 4000 مشارك، الأثر الإيجابي للتعامل اللطيف مع الآخرين على الصحة العامة للشخص وشعوره الجيّد، مما ينعكس على أدائه وعلاقاته في العمل والمنزل بشكل أفضل.
كيف يؤثر اللطف السام على حياتك؟
1- تجعل نفسك غير مرئي بعملك
قد نقدم أحيانًا الكثير للآخرين، لدرجة التوقف عن التفكير بأنفسنا واحتياجاتنا الخاصة، ولا يمكن القول أن مساعدة زملاء العمل أمر خاطئ، لكن يؤثر التركيز على القيام بذلك -بغض النظر عن راحتك وقدرتك على المساعدة- بشكل سلبي على حياتك المهنية، حيث تجد نفسك تحاول إرضاء الآخرين، إما عندما يطلبون مساعدتك أو عندما تعتقد أنهم بحاجة إليها؛ لذلك تلتزم بتقديم الدعم لهم، حتى لو كان على حساب صحتك الشخصية.
كما يمكن أن تؤدي المبالغة باللطف إلى الشعور بالإحراج وعدم الراحة؛ لأنك لا تسمح للشخص الآخر بفعل ما يريد من خلال التواجد دائمًا لمساعدته، والتركيز كثيرًا على ما يحتاجون إليه، وتجاهل حاجتك الخاصة، وبذلك تساهم من خلال أفعالك وقلقك الدائم على زملائك، بجعل نفسك شخصًا غير مرئي بالوظيفة، ووضع نفسك في المرتبة الأخيرة، والتقليل من قيمتك.
2- من الصعب أن تقول لا للآخرين
لا يضع الشخص الذي يعاني من اللطف السام حدودًا واضحة لزملائه، ويعتقد أنه يجب أن يكون لطيفًا في كل الظروف، لذا يوافق على جميع الطلبات مهما كانت صغيرة، ويكون مستعدًا لفعل أي شيء لمجرد أن يكون شخصًا جيدًا.
يعتبر التعامل بلطف مع الآخرين طبيعيًا عندما لا يؤثر بشكل سلبي على حياتك وعملك، لكن تكمن المشكلة عند تكرار حدوث المواقف غير المريحة، التي تؤدي للشعور بشكل سيء، ويقع الكثير من الأشخاص في هذا الفخ بسبب القناعة الخاطئة بقبول كل ما يُطلب منهم القيام به؛ لإرضاء زملاء العمل وتقوية العلاقة بهم، بينما في الواقع لا يوجد شيء إيجابي بهذا التصرف السام، حيث يمكنك إظهار اللطف مع المحافظة على حدودك الخاصة.
يترافق اللطف السام مع العديد من الآثار السلبية على الصحة النفسية، والتي قد تمنعك عن ممارسة نشاطات حياتك اليومية، وتشمل الأعراض انعدام الثقة بالنفس والقدرة على إنجاز المهام بشكل مفرد، وتدني احترام الذات والشعور بالذنب والشعور بالقلق والاكتئاب وقلة الوعي الذاتي.
ما هي أهم الأمثلة عن اللطف السام في العمل؟
هناك الكثير من الأمثلة المعبرة عن اللطف السام، نذكر منها:
1- إقراض الأموال
قد يطلب منك أحد الزملاء أن تقرضه مبلغًا من المال، فإذا لم تكن مرتاحًا ماديًا، أو لا تريد إقراض المال لهم لأي سبب آخر، يمكنك الرفض بكل لطف؛ لأنه لن يتفاعل معك بشكل سلبي أو يضغط عليك إذا كان يقدّر لطفك معه بشكل حقيقي.
2- الهدايا والتبرعات
قد يقترب منك شخص غريب ويطلب منك التبرع بالمال بلطف، ومن الممكن أن يكون شخصًا بلا مأوى، أو يعمل في مؤسسة خيرية، أو يحتاج فقط إلى بعض النقود حاليًا. يجب عليك أن تكون صادقًا مع نفسك، وتسأل عما إذا كنت تتبرع لأنك تعتقد أنه الشيء الصحيح، أو بسبب القيود الاجتماعية المفروضة عليك أو الشعور بالمسؤولية الكاذبة.
3- أن تكون متاحًا طوال الوقت
قد يستغل بعض زملاء العمل لطفك الزائد معهم، لإجبارك على الاستماع إلى مشاكلهم بالوظيفة والمنزل، دون احترام وقتك أو عملك، ثم يتوقعون منك أن تكون متاحًا بشكل دائم. عليك وضع حدود واضحة بشأن أوقات فراغك، حيث لن يقدم لك هذا اللطف السام أي فائدة.
4- تصنّع الود
إذا وجدت نفسك دائمًا تتفق مع ما يقوله الآخرون، أو تقول أشياء فقط حتى يعتقد زملاؤك أنك شخص لطيف، فإنك تعاني من اللطف السام. لا يمكنك أن تتفق مع كل شيء يحدث حولك، أو التحدث والتعبير عن نفسك بعفوية، وأن تكون محبوبًا من قبل الجميع بنفس الوقت. لا يمكن فعل ذلك إلا بارتداء قناع اللطف السام، وستشعر بالتوتر الداخلي نتيجة لذلك.
5- إخفاء الحزن
يحب بعض الأشخاص المبالغة في كل ما يحدث لهم لمجرد جذب الانتباه، وفي الجانب الآخر نجد الكثيرين يحاولون قمع وإخفاء كل ما يشعرون به لأنهم لا يريدون إيذاء الآخرين. يعبّر هذا التصرف عن اللطف السام، حيث يؤثر كبت المشاعر السلبية على صحتك العامة.
كيف يمكنك التعامل مع اللطف السام بشكل صحيح؟
قد يصبح اللطف السام جزءًا من شخصيتك، لكن هناك بعض الأشياء التي يمكن القيام بها للتعامل مع الآخرين بطريقة صحية. يساهم تغيير هذا الجانب في تعزيز تقدير الذات وبناء علاقات متينة بالعمل والحياة الخاصة.
- رسم حدود واضحة: دع زملاءك يعرفون ما يجب عليهم عدم تجاوزه، وأخبرهم بالأشياء التي لا تحبها، والتي لست على استعداد للقيام بها، وما الذي يجعلك غير مرتاح.
- حاول ألا تشعر بالذنب: عليك في بعض الأحيان أن تقول لا، لذا توقف عن الشعور بالذنب لعدم تقديم خدمة لزميلك، أو لعدم وجودك بجانبه طوال الوقت، وهذا لا يعني أنك لست شخصًا لطيفًا.
- ضع قائمة بأولوياتك: يمكنك أن تساعد الآخرين دون إهمال نفسك، نظم أولوياتك وقرر أيهما يأتي أولًا. ستعرف من خلال القيام بذلك، مقدار وقتك المتاح لمساعدة الآخرين.
- كن أكثر وعيًا بذاتك: تعرّف على نفسك وما تريده، لتسهل عليك وضع الحدود، وفهم مشاعرك وأفكارك، وكيف يمكنك أن تضع نفسك أولاً بطريقة أفضل.
- تحسين احترامك لذاتك: حتى تختفي مشاعر الذنب والمسؤولية الكاذبة من تلقاء نفسها، ولكي تصبح أفكار الآخرين عنك غير مهمة بالنسبة لك، عليك أن تقدر نفسك وتحترمها بشكل صحيح.
- التظاهر بأنك شخص آخر: يمكنك بحال فشل هذه الطرق، محاولة التصرف مثل زملائك الآخرين لفترة من الوقت حتى تغير طريقة تفكيرك، وتتخلّص من اللطف السام خلال فترة قصيرة.
يساعد التعامل مع زملاء العمل بلطف والاهتمام بهم على بناء حياة مهنية مثمرة، لكن تنعكس المبالغة باللطف -على حساب راحتك وسعادتك- بشكل سلبي صحتك النفسية والعاطفية، وتمنعك من القيام بواجباتك اليومية بالوظيفة والمنزل.
يمكنك استشارة طبيب أو معالج نفسي مختص، إذا كنت تشعر بالوحدة وعدم الارتياح على الرغم من دعم زملائك؛ لمساعدتك على التعامل مع مخاوفك وقلقك الذي يدفعك إلى اللطف السام.
حمّل تطبيق لبيه الأن، وسارع بحجز موعد استشارتك النفسية بخطوات بسيطة، وبأقل تكلفة ممكنة.
المراجع:
1- 5 Examples of “Toxic Kindness”, agreatmood.com, retrieved 15/5/2023
2- Excessive Kindness: Another Way of Self-Sabotage, exploringyourmind.com, retrieved 15/5/2023
3- How Not to Poison Yourself in the Name of Kindness, medium.com, retrieved 16/5/2023
4- Oliver Scott Curry, Lee A. Rowland, Caspar J. Van Lissa, Sally Zlotowitz, John McAlaney, Harvey Whitehouse, “Happy to help? A systematic review and meta-analysis of the effects of performing acts of kindness on the well-being of the actor”, Journal of Experimental Social Psychology, Volume 76, 2018, Pages 320-329, ISSN 0022-1031, https://doi.org/10.1016/j.jesp.2018.02.014.