من المؤلم أن نتحدث عن إحصائيات وفيات الأطفال، لكنها حقيقة تحتاج إلى النظر بعين الاهتمام والوعي. حيث تشير الإحصائيات العالمية إلى وفاة طفل واحد كل 6 ثوانٍ، وهو رقم صادم يعكس الحاجة الملحة لفهم أسباب وفاة الأطفال، وخاصة من هم دون سن الخمس سنوات. وفقًا لآخر الإحصائيات، بلغ عدد وفيات الأطفال دون سن الخامسة هذا العام حوالي 5,593,488 طفلًا. لكن هل لهذه الوفيات علاقة بالصحة النفسية؟ وكيف تؤثر صحة الأم والطفل على هذه الأرقام المؤلمة؟
ما هي أسباب وفاة الأطفال في سن 5 سنوات؟
هناك العديد من العوامل التي تؤدي إلى وفاة الأطفال دون سن الخامسة. بعض هذه الأسباب مباشرة، بينما ترتبط بعضها الآخر بشكل غير مباشر بالحالة الصحية للأم والطفل قبل وبعد الولادة. ومن بين تلك الأسباب الأكثر شيوعًا:
1. المضاعفات الصحية أثناء الولادة:
تعتبر مشاكل الولادة، مثل الولادة المبكرة أو المضاعفات التي تتعلق بوزن الطفل عند الولادة من أكثر الأسباب شيوعًا لوفاة الأطفال حديثي الولادة.
2. الأمراض المعدية:
الأمراض مثل: الالتهاب الرئوي، الإسهال، والملاريا، تعد من الأسباب الرئيسية لوفاة الأطفال في هذه الفئة العمرية، خاصة في الدول النامية التي تعاني من ضعف في أنظمة الرعاية الصحية.
3. سوء التغذية:
يؤثر نقص الغذاء السليم والمواد المغذية الضرورية في الفترة المبكرة من حياة الطفل على تطور جهازه المناعي، مما يجعله عرضة للأمراض القاتلة.
4. الحوادث:
مثل الغرق أو التعرض لحوادث منزلية، هي أيضًا من بين الأسباب الشائعة لوفيات الأطفال في سن مبكرة.
5. العوامل الوراثية والعيوب الخلقية:
بعضها يكون غير قابل للعلاج أو الاكتشاف المبكر، مما يزيد من خطر وفاة الطفل في سنواته الأولى.
العلاقة بين الصحة النفسية وأسباب وفاة الأطفال
الصحة النفسية للأم تلعب دورًا مهمًا وحاسمًا في تأثيرها على وفيات الأطفال، خاصة خلال فترة الحمل وبعد الولادة، عندما تعاني الأم من مشكلات نفسية مثل الاكتئاب أو القلق خلال الحمل أو بعد الولادة، قد يؤثر ذلك بشكل مباشر على قدرتها على العناية بنفسها وبطفلها. كما أن هذا النقص في الرعاية قد يؤدي إلى مشكلات صحية للجنين أو الطفل حديث الولادة، مثل الولادة المبكرة أو نقص الوزن عند الولادة، وهي عوامل تزيد من خطر وفاة الأطفال في سن مبكرة.
بالإضافة إلى ذلك، تؤثر الصحة النفسية للأم على قدرتها على التواصل مع طفلها وتقديم الرعاية اللازمة بعد الولادة، في بعض الحالات، قد يؤدي الإجهاد والضغط النفسي إلى صعوبات في الرضاعة الطبيعية أو تقديم التغذية السليمة للطفل، ما قد يؤدي إلى تدهور حالته الصحية. كذلك، التوتر والضغوط النفسية يمكن أن تؤثر سلبًا على الجهاز المناعي للطفل، مما يجعله أكثر عرضة للأمراض الخطيرة التي قد تؤدي إلى الوفاة.
من هنا، يتضح أن العناية بالصحة النفسية للأمهات ليست فقط من أجل رفاهيتهن النفسية، بل هي أيضًا عامل حاسم في الحفاظ على صحة الأطفال وتقليل خطر الوفاة في سنوات حياتهم الأولى.
ما هي العوامل المؤثرة على صحة الطفل والأم أثناء فترة الحمل وبعد الولادة؟
لا يمكن فهم وفيات الأطفال دون النظر في العوامل المؤثرة على صحة الأم أثناء الحمل وبعد الولادة. إن صحة الأم لها تأثير مباشر على صحة الجنين وتطوره. ومن أهم هذه العوامل:
1. التغذية أثناء الحمل:
التغذية الجيدة والمناسبة للأم أثناء الحمل تلعب دورًا كبيرًا في نمو الجنين بشكل صحي. كما أن نقص العناصر الغذائية الهامة مثل: الحديد وحمض الفوليك يزيد من مشكلة الولادة المبكرة أو ولادة طفل بوزن منخفض.
2. الرعاية الصحية:
الحصول على رعاية صحية جيدة قبل الولادة وبعدها ضروري لضمان اكتشاف أي مشاكل مبكرة قد تؤثر على الأم أو الطفل. إن الفحص الدوري والرعاية الطبية المتواصلة يساعدان في تقليل المخاطر الصحية.
3. الظروف الاجتماعية والاقتصادية:
الفقر والعيش في بيئة غير صحية يزيدان من احتمالية تعرض الطفل لمشاكل صحية خطيرة بعد الولادة. كما أن الضغط النفسي الناجم عن الفقر قد يؤثر على صحة الأم والطفل على حد سواء.
4. العوامل النفسية:
كما أشرنا سابقًا، أن الصحة النفسية للأم تلعب دورًا هاماً في تحديد نتائج الحمل وصحة الطفل. إن الأم التي تعاني من ضغوط نفسية، اكتئاب، أو قلق قد تواجه صعوبة في تقديم الرعاية اللازمة لطفلها بعد الولادة.
5. التدخين وتعاطي المواد الضارة:
تدخين الأم أو تعاطيها للمواد الضارة أثناء الحمل يزيد بشكل كبير من خطر حدوث مضاعفات مثل الولادة المبكرة أو العيوب الخلقية.
دور الدعم النفسي والاجتماعي لمواجه أسباب وفاة الأطفال
1- الدعم النفسي والاجتماعي يلعب دورًا محوريًا في تطوير وتنمية الأطفال بشكل صحي ومتوازن. إن الأطفال الذين يعيشون في بيئات توفر لهم الرعاية العاطفية والدعم الاجتماعي يكونون أقل عرضة للمعاناة من المشكلات النفسية التي قد تؤثر على صحتهم العامة، كما أن هذا الدعم يساعدهم في بناء الثقة بالنفس، التعامل مع التحديات، وتطوير مهارات اجتماعية تمكنهم من التفاعل الإيجابي مع الآخرين.
2- بالإضافة إلى أن وجود أسرة متماسكة، أصدقاء داعمين، ومعلمين أو مرشدين يفهمون احتياجاتهم النفسية والاجتماعية يمكن أن يمنح الأطفال شعورًا بالأمان والاستقرار، مما يساهم في تقليل مخاطر التعرض للتوتر أو الاكتئاب.
3- إلى جانب ذلك، الدعم النفسي يقلل من احتمالات تعرض الأطفال لسلوكيات خطرة مثل العنف أو الإدمان. يلعب التواصل المفتوح والاحترام المتبادل دورًا في حماية الطفل من الوقوع في هذه المشكلات، ولا سيما أن الأطفال الذين يحصلون على هذا الدعم يتعلمون كيفية التعبير عن مشاعرهم والتعامل مع المشكلات بطريقة بناءة، مما يسهم في تعزيز صحتهم النفسية والجسدية على المدى الطويل.
إحصائيات وفيات الأطفال والعلاقة بالصحة النفسية
تشير الإحصائيات إلى أن الصحة النفسية لها تأثير كبير على معدلات وفيات الأطفال، خاصة فيما يتعلق بالمشكلات النفسية غير المعالجة. وفقًا لمنظمة الصحة العالمية (WHO)، يعاني حوالي 10% من الأطفال والمراهقين حول العالم من اضطرابات نفسية. نجد الأطفال الذين يعانون من اضطرابات مثل: الاكتئاب والقلق يكونون أكثر عرضة للتعرض لمشكلات صحية جسدية. وذلك بسبب تأثير هذه الاضطرابات على الجهاز المناعي والجسدي.
كما أن الأطفال الذين يتعرضون للإهمال النفسي أو يعيشون في بيئات مليئة بالعنف الأسري والتنمر، معرضون بشكل أكبر للإصابة بمشاكل نفسية قد تؤدي إلى سلوكيات خطيرة مثل إيذاء النفس أو حتى محاولات الانتحار، بالإضافة إلى أن هذه السلوكيات قد تسهم بشكل مباشر في ارتفاع نسب وفيات الأطفال، خاصة في البيئات التي لا توفر الدعم النفسي الكافي.
من ناحية أخرى، الأطفال الذين يحصلون على دعم نفسي واجتماعي مستمر يظهرون معدلات أقل بكثير من المشاكل الصحية المزمنة والموت المبكر. لذلك، من الضروري أن يتم توفير دعم شامل يركز على الصحة النفسية للأطفال لضمان حمايتهم من المخاطر الصحية والاجتماعية.
في النهاية، يجب العلم أن وفاة طفل واحد كل 6 ثوان هو تذكير مؤلم بالحاجة إلى اتخاذ خطوات جادة لتحسين الرعاية الصحية والاهتمام بصحة الأم والطفل على حد سواء، حيث إن فهم أسباب وفاة الأطفال والتعامل معها بشكل شامل، بما في ذلك العوامل النفسية والاجتماعية، هو الطريق الوحيد نحو تقليل هذه الأرقام المرعبة. بالإضافة إلى أن الصحة النفسية للأم ليست مجرد رفاهية، بل هي جزء أساسي من الرعاية الصحية التي تؤثر بشكل مباشر على حياة الأجيال القادمة. علينا جميعًا أن نلبي هذا النداء ونعمل من أجل عالم أكثر صحة وأمانًا للأطفال. Download the app now و تعرف كيف تعزز صحة طفلك النفسية.