الوسواس القهري في الدين
ينتشر في مجتمعنا الإيمان وممارسة الشعائر الدينية، ويسعى غالبية الناس إلى الالتزام بتعاليم دينهم وأداء كل واجباتهم، لكن أحيانًا قد يتحول هذا الإيمان إلى هوس، وبدلًا من أن يكون سببًا يدفع بنا الطمأنينة والراحة، يصبح مصدرًا للقلق الشديد نحو فعل ما هو صحيح ومرضٍ لله، وهذا ما يسمى الوسواس القهري في الدين الذي سنتعرف عليه في هذا المقال.
ما الوسواس القهري في الدين؟
بداية الوسواس القهري هو حالة تمتلك فيها أفكارًا وسلوكيات لا تستطيع السيطرة عليها، ولديك رغبة ملحة في التعبير عنها وممارستها، وتتداخل هذه الممارسات مع حياتك اليومية، وتسبب لك الضغط والتوتر. بحسب a study (Sasson et al., 1997 )، يصيب الوسواس القهري نحو 2% من البشر، ومع تطوره قد يؤدي إلى الإصابة بالاكتئاب.
الوسواس القهري في الدين، هو نوع من الوسواس القهري العام، يبدأ بعمر 8-9 سنوات، تكون فيه أفكارك وتصرفاتك مرتبطة بالدين والأخلاقيات، ويتمحور هذا النوع من الوسواس حول الخوف وAnxiety من الدين، مثل: الخوف من أن تكون نهايتك في الجحيم، إلى جانب تصرفات وسواسية تؤثر على حياتك ونشاطاتك مثل: ممارسة الصلاة لوقت طويل؛ ففي أثناء الصلاة تخاف من أنك لم تتلوها بشكل صحيح أو لم تلفظ الكلمات جيدًا أو لم تؤديها بالترتيب والخشوع اللازمين، ما يدفعك إلى تكرارها أكثر من مرة لتصحيح ما فعلت مما يأخذ الكثير من الوقت.
أعراضه
تتنوع أعراض الوسواس القهري الديني من أفكار وسواسية إلى سلوكيات قهرية تشمل:
- هواجس وأفكار ومحرضات ذهنية متكررة: وهي ما تسمى بالأفكار الدخيلة، التي تتركز على المبالغة في الإيمان، والخوف من إغضاب الله ومعاقبته لك والذهاب إلى الجحيم، والتصرفات الأخلاقية والخوف الدائم من ارتكاب الخطيئة، والسعي وراء النقاء والطهارة وعدم القدرة على السيطرة على الانفعالات والخوف من الموت.
- ممارسة الطقوس: ممارسة طقوس معينة؛ لتساعدك في التخلص من التوتر والقلق الذي تسببه لك تلك الهواجس. تشبه هذه الطقوس تلك التي تمارس عادةً في العبادة والصلاة، إلا أنك تبالغ في ممارستها لدرجة تستمر لساعات طويلة، وتلهيك عن حياتك اليومية وواجباتك، مثل: المبالغة في الصلاة، وطلب المشورة والطمأنينة باستمرار من رجال الدين، والاعتراف المفرط بالخطايا، وكتابة الصلوات للتأكد من أنك تتلوها بشكل صحيح، تبذل مجهودً كبيرًا لتمحو الأفكار السيئة وتستبدلها بأخرى موافقة للدين وتعاليمه، ومن ناحية أخرى قد تتجنب الصلوات الدينية بسبب شعورك بالذنب حيال قيامك بفعل خاطئ.
- التجنب: ويتجنب مريض الوسواس فعل الأشياء المعتادة مثل: تناول الطعام وغيره؛ لأنه يفكر في كل تصرف يقوم به ويسأل نفسه إذا كان يحقق مشيئة الله أم لا، وذلك يشمل أصغر التصرفات مثل: فتح الباب والجلوس والوقوف وأداء الواجبات اليومية، فهو يقلق بشأن جميع تصرفاته فيما إذا كانت صحيحة أو خاطئة.
أسبابه
الأسباب الرئيسية وراءه غير معروفة، لكن هناك بعض العوامل التي تزيد فرص الإصابة مثل: العوامل الوراثية، فالأشخاص الذين لديهم أقرباء من الدرجة الأولى (أهل أو إخوة أو أطفال) مصابين تزيد فرصة الإصابة لديهم.
كما للعوامل البيئية دور في ذلك أيضًا، فهناك علاقة بين الصدمات التي تتعرض لها في الطفولة وإصابتك بالوسواس القهري لاحقًا؛ فقد بينت a study (Wang et al., 2011) أن 77% من مرضى الوسواس القهري قد اختبروا صدمات معينة في طفولتهم، وهذه الصدمات لها دور في الإصابة في العديد من الأمراض النفسية، لذا لا بد من أخذها بعين الاعتبار عند علاج مرضى الوسواس القهري، بالإضافة إلى اختلاف تركيبة الدماغ عند مرضى الوسواس القهري عن غير المصابين.
هل الإيمان يحتم عليك الإصابة بالوسواس القهري؟
يمارس المؤمنون مجموعة من الشعائر الدينية التي تتناسب مع ديانتهم مثل: الصلاة وطلب المغفرة، وهناك ديانات تتطلب من المؤمنين خلع حذائهم قبل الدخول إلى مكان العبادة، لكن ممارسة الطقوس السابقة أو الإيمان الزائد لا يعني أنك مصاب بالوسواس القهري؛ فوفقًا لدراسة (Rakesh at al., 2021)، إن التدين الزائد يرفع فرصتك بالإصابة بالوسواس القهري الديني، لكن كونك شخصًا مؤمنًا لا يعني بالضرورة أن حالتك ستتطور إلى هذه الدرجة. كما أن هذا الطقوس لا تتطور إلى وسواس إلا إذا سعيت فيها نحو الكمال والمثالية.
طريقة العلاج
يعد الوسواس القهري في الدين أحد أنواع الوسواس القهري العام، لذا يعتمد الأطباء طريقة علاج الوسواس القهري نفسها، وتشمل العلاج السلوكي المعرفي والأدوية النفسية، ومع ذلك تختلف طريقة العلاج من شخص لآخر ومن حالة لأخرى.
يعد العلاج السلوكي المعرفي أحد خطوط العلاج الأولى، وفعاليته توازي فعالية الأدوية، وحتى أنه مفيد عند المرضى الذين لا يستجيبون للعلاج بالأدوية؛ فهو يساعدك على مواجهة مخاوفك، ويشجعك على تعريض نفسك لما يسبب لك الهواجس والوساوس.
كما يستخدم الأطباء مضادات الاكتئاب التي تساعد على رفع مستوى هرمونات السعادة في الدم، مما يحسن أعراض الوسواس لديك.
بالإضافة إلى طريقة أخرى تستخدم في العلاج، تدعى التعرض مع منع الاستجابة، وفيها يسعى الطبيب إلى تعريضك تدريجيًّا إلى ما يسبب لك الأفكار والأفعال القهرية في بيئة آمنة ومناسبة، وأكدت a study (Law et al., 2019) أنها تعد الخط الأول في العلاج، فهي شكل من أشكال العلاج المعرفي السلوكي التي تساعد المريض على مواجهة مخاوفه ومقاومة الاستجابة لها؛ لذا يمكنك طلب مساعدة طبيبك على موقع لبيه فهو سيستخدم أفضل الطرق لمساعدتك في هذه المرحلة.
من الجميل جدًا أن تؤمن بالله وتمارس واجباتك تجاهه وتسعى لإرضائه، لكن مثل أي شيء في هذه الحياة كلما زاد عن حده ضرك، كذلك الإيمان المبالغ به عندما يزيد عن حده يؤذيك ويسبب لك اضطرابات وأفكار لا ترغب في تجربتها؛ لذا تأكد دائمًا من الحفاظ على التوازن في كل ما تقوم به في حياتك.
المراجع
1- Sasson Y, Zohar J, et al. Epidemiology of Obsessive-Compulsive Disorder : a World View. J clin psychiatry. 1997;58.
2- Wang Z, Wang X, et al. Childhood Trauma Experience and Obsessive Compulsive Disorder in Chinese Population: A Case Control Study. European Psychiatry. 2011:981. https://doi.org/10.1016/S0924-9338(11)72686-4
3- Rakesh K, Arvind S, et al. The Role of Religiosity and Guilt in Symptomatology and Outcome of Obsessive Compulsive Disorder. Psycopharmacol Bull. 2021;51(3):38-49.4- Law C, Boisseau C.L. Exposure and Response Prevention in the Treatment of Obsessive Compulsive Disorder: Current Perspectives. Psychol Res Behav Manag.2019;12:1167-1174. doi: 10.2147/PRBM.S211117.