اضطراب الشخصية الاعتمادية.. الذي يضع نفسه خلف الآخرين دائماً
في عالم يحتفي بالاستقلالية والقوة الذاتية، يجد الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الشخصية الاعتمادية أنفسهم في مواجهة تحديات فريدة. هذا النمط من التفكير والسلوك، الذي يتسم بالحاجة المفرطة للرعاية، يؤدي إلى علاقات غير متوازنة ويحد من قدرة الشخص على العيش بشكل مستقل.
في هذا المقال، سنبين لك ما هو مفهوم اضطراب الشخصية الاعتمادية، مشيرين إلى أسبابه، وأعراضه، وكيف يمكن التخلص منه.
ما هو مفهوم اضطراب الشخصية الاعتمادية؟
اضطراب الشخصية الاعتمادية هو حالة صحية نفسية يمكن أن تجعل الشخص يعتمد بشكل مفرط على الآخرين لتلبية احتياجاته الجسدية والعاطفية، وتشير الجمعية الأمريكية للطب النفسي إلى أن هذه الحالة تتميز بنمط من السلوكيات المحتاجة والتشبثية والخاضعة، بدلاً من السلوكيات المستقلة أو المكتفية ذاتيًا.
وبالتالي غالبًا ما يواجه الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الشخصية الاعتمادية صعوبة في اتخاذ القرارات بأنفسهم ويشعرون بالعجز عندما يكونون بمفردهم لأنهم يشعرون بعدم القدرة على الاعتناء بأنفسهم، ويميلون إلى أن يكون لديهم حاجة ماسة إلى شخص آخر يعتني بهم بدلاً من ذلك.
بينت a study أن هناك مجموعة من الاضطرابات التي تتميز بالقلق والخوف من الرفض، والحاجة إلى العناية، والحرص الشديد على النظام والكمال، وكان أبرزها اضطراب الشخصية الاعتمادية، وأكدّت الدراسة على أهمية التعرف على أعراض وطرق علاج هذا الاضطراب، لأنها قد تؤثر بشكل كبير على جودة حياة الأشخاص الذين يعانون منها.
ما هي أعراض الشخصية الاعتمادية؟
تبدأ أعراض اضطراب الشخصية الاعتمادية عادةً في مرحلة الطفولة أو مرحلة البلوغ المبكر، وغالبًا قبل سن 30 عامًا، ويجب الملاحظة أن هذه الأعراض قد تكون موجودة في درجات مختلفة لدى الأشخاص المصابين باضطراب الشخصية الاعتمادية.
وفيما يلي أبرز أعراض الشخصية الاعتمادية:
1- صعوبة اتخاذ القرارات
يعاني الأشخاص الذين يعانون من شخصية اعتمادية من صعوبة كبيرة في اتخاذ القرارات سواء البسيطة أو المعقدة، فهم يعتمدون على آراء الآخرين ويشعرون بالقلق والتوتر عند الحاجة لاتخاذ قرارات مستقلة.
2- ضعف الثقة في النفس
يشعر الأشخاص الذين يعانون من شخصية اعتمادية بقلة الثقة في قدراتهم الشخصية والقدرة على التعامل مع الأمور بشكل مستقل، قد يشعرون بأنهم لا يستحقون النجاح أو السعادة دون مساعدة الآخرين.
3- الخوف من رفض الآخرين
يخاف الأشخاص الذين يعانون من شخصية اعتمادية من رفض الآخرين وعدم قبولهم، وقد يكون لديهم رغبة ملحة في الموافقة على طلبات الآخرين وتلبية توقعاتهم حتى يتجنبوا الرفض أو الانتقاد.
4- الاهتمام المفرط بالعلاقات الشخصية
يقدم الأشخاص الذين يعانون من شخصية اعتمادية الكثير من الاهتمام والطاقة للحفاظ على العلاقات الشخصية، أي يمكن أن يكونوا وديّين بشكل مبالغ فيه أو يتجاهلون احتياجاتهم الشخصية الأخرى من أجل الاهتمام بالآخرين.
5- صعوبة في التعبير عن الرغبات والاحتياجات الشخصية
قد يجد الأشخاص الذين يعانون من شخصية اعتمادية صعوبة في التعبير عن رغباتهم واحتياجاتهم الشخصية، ويميلون لتجنب الصراحة والتعبير عن المشاعر السلبية خوفًا من إثارة غضب أو رفض الآخرين.
ما هي أسباب اضطراب الشخصية الاعتمادية؟
الأسباب الدقيقة لاضطراب الشخصية الاعتمادية غير معروفة، ومع ذلك، هناك عوامل معينة يمكن أن تساهم في خطر الإصابة بهذه الحالة، ومنها ما يلي:
العلاقات السابقة المسيئة
قد يكون الأشخاص الذين كانوا في علاقات مسيئة وغير صحية أكثر عرضة للإصابة باضطراب الشخصية الاعتمادية، إذ أشارت a study أجريت عام 2017 إلى أن الأشخاص الذين يعانون من هذه الحالة قد يكونون أكثر عرضة للعلاقات غير الصحية التي تنطوي على الاعتداء الجسدي والسلوكيات الصحية الضارة.
تجارب الطفولة
إن التعرض لمرض يهدد الحياة في مرحلة الطفولة، أو الإهمال في مرحلة الطفولة، أو التعرض للإساءة اللفظية أو الجسدية خلال فترة الطفولة يمكن أن يساهم في خطر الإصابة باضطراب الشخصية الاعتمادية.
الوراثة
يمكن أن تلعب العوامل الوراثية دورًا في تطور هذه الحالة، فوجود أحد أفراد العائلة يعاني من اضطراب الشخصية الاعتمادية أو اضطراب القلق يمكن أن يزيد من فرص الإصابة بهذا الاضطراب، فقد بينت نتائج a study أن سمات الشخصية الاعتمادية، مثل: القبول، وانخفاض الثقة بالنفس، والتعلق بالآخرين وصعوبة اتخاذ القرار، غالبًا ما تكون وراثية.
الممارسات المتعلقة بالبيئة
البيئات الاجتماعية والثقافية لها دور كبير في تشكيل سلوكيات الأشخاص ونمط شخصياتهم، في بعض الثقافات أو الأسر، على سبيل المثال: الأسر التي تمارس سيطرة مفرطة على الأطفال وتحد من استقلاليتهم قد تسهم في تطوير اعتمادية الأطفال على الآخرين، لأن الأطفال الذين ينشأون في مثل هذه البيئات قد يجدون صعوبة في اتخاذ القرارات بمفردهم ويميلون إلى الاعتماد على الآخرين للحصول على الإرشاد والدعم.
كيف يمكن التعامل مع اضطراب الشخصية الاعتمادية؟
للتعامل مع اضطراب الشخصية الاعتمادية، نقدم لك مجموعة من الاستراتيجيات التي يمكن أن تساهم في تحسين قدرتك على التأقلم وتعزيز استقلاليتك، إليك كيف يمكن بناء شخصية استقلالية والحد من الشخصية الاعتمادية:
تحدي نفسك للقيام بالأنشطة بمفردك
الخطوة الأولى نحو الاستقلالية تبدأ بتحدي نفسك لإنجاز المهام اليومية دون الاعتماد على الآخرين، يمكنك البدء بمهام بسيطة مثل الذهاب للتسوق بمفردك، ثم التقدم تدريجيًا إلى مهام أكثر تحديًا، مثل تناول الطعام خارجًا بمفردك، فهذه الخطوات تساعدك على بناء الثقة بنفسك وتعزيز شعورك بالاستقلال.
الانخراط في النشاط البدني
المشاركة في الأنشطة البدنية لا تحسن صحتك الجسدية فقط، بل تعزز أيضًا الثقة بالنفس، فعندما تدفع نفسك لتجاوز حدودك، تكتشف قدرتك على التغلب على التحديات، مما يعزز إحساسك بالقوة والقدرة على الاعتماد على نفسك.
زيادة استقلاليتك
قم بتقييم علاقاتك وحدد المجالات التي تعتمد فيها بشكل كبير على الآخرين، واتخذ خطوات مدروسة نحو تعلم كيفية القيام بالأمور بنفسك، بدءًا من تولي مسؤوليات جديدة تدريجيًا. على سبيل المثال: ابدأ بتولي مهمة صغيرة كان يقوم بها شخص آخر لك، وزد من هذه المهام بمرور الوقت.
تطوير الثقة بالنفس
تعلم الاستماع إلى أفكارك ومشاعرك وتعزيز الثقة في حدسك. قبل طلب مشورة الآخرين، خصص وقتًا لتقييم قراراتك بنفسك، فالثقة بقدراتك على مواجهة العواقب تعد خطوة مهمة نحو الاستقلالية.
يمكن أن يتسبب اضطراب الشخصية الاعتمادية في شعورك بالقلق من احتمال اتخاذ القرارات أو البقاء بمفردك، وقد يكون العيش مع هذا أمرًا صعبًا. ومع ذلك، يمكن أن يساعدك العلاج النفسي على تطوير المزيد من الثقة في نفسك، ومع الوقت يمكنك أن تصبح أكثر استقلالية واكتفاءً ذاتيًا.
يمكنك التواصل مباشرةً مع المختصين في تطبيق لبيه وأخذ الاستشارة الموثوقة منهم بهدف تحديد خطوات ملموسة نحو بناء حياة أكثر استقلالية، ويمكنك ذلك عن طريق تحميل تطبيق لبيه.